نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1591
قال أبو العباس القرطبي -رحمه الله- في المفهم (...): " أنَّه لو سُلِّم أنَّ {أنَّى} شاملة للمسالك بحكم عمومها، فهي مخصَصَّةٌ بأحاديث صحيحة، ومشهورة ".
ونوقش هذا الجواب: أنه قد جاء عند النسائي في السنن الكبرى بسند ظاهره الصحة عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-:
أن رجلا أتى امرأته في دبرها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد من ذلك وجدا شديدا، فأنزل الله تعالى: "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ".
فهذا الحديث يدل على أن المراد بالآية تسويغ وطء المرأة في دبرها إذ إنه سببٌ لنزولها، والقاعدة في الأصول: [أن صورة السبب تدخل في العموم دخولاً قطعياً]، وبعبارة أخرى: [لا يجوز تخصيص صورة السبب].
وردت هذه المناقشة من وجوه:
الوجه الأول: أنه حديث منكرٌ (نكارة سند)، ووجه النكارة: أن الرخصة عن ابن عمر إنما هي معروفة من رواية نافع، ولو كانت الرخصة ثابتة من رواية زيد بن أسلم، لنقلها الناس وتتبعوا عليها.
قال الإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي -رحمه الله- في العلل (1/ 409): "قال أبِي: هذا أشبهُ، وهذا أيضًا مُنكرٌ، وهُو أشبهُ مِن حدِيثِ ابنِ عُمر، لأنّ النّاس أقبلُوا قبل نافِعٍ فِيما حكى عنِ ابنِ عُمر، فِي قولِهِ: "نِساؤُكُم حرثٌ لكُم" فِي الرُّخصةِ، فلو كان عِند زيدِ بنِ أسلم، عنِ ابنِ عُمر، لكانُوا لا يُولعُون بِنافِعٍ، وأوّلُ ما رأيتُ حدِيث ابنِ عَبدِ الحكمِ استغربناهُ، ثُمّ تبيّن لِي عِلّتُهُ".
وأجيب: أن القاعدة في الأصول: [أنه لا يمتنع أن يخفى طريق على الأمة مع ثبوت متنه من طريق آخر].
(فائدة: هذه القاعدة فرع عن القاعدة الأصولية المشهورة: [لا يمتنع أن يخفى دليل على الأمة مع ثبوت حكمه]).
الوجه الثاني: أنه حديث منكر (نكارة متن)، ووجه النكارة: أنه قال في دبرها، والصحيح من دبرها، لكن غلط في ذلك الراوي، ودليل وقوع الغلط منه: أن هذا الغلط وقع من بعض الصحابة رضي الله عنهم.
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- في حاشية السنن (6/ 201): "قيل هذا غلط بلا شك، غلط فيه سليمان بن بلال، أو بن أبي أويس راويه عنه، وانقلبت عليه لفظة من بلفظة في، وإنما هو أتى امرأة من دبرها ".
وقال رحمه الله أيضا: "والذي يبين هذا، ويزيده وضوحا، أن هذا الغلط قد عرض مثله لبعض الصحابة حين أفتاه النبي صلى الله عليه وسلم بجواز الوطء في قبلها من دبرها، حتى بين له صلى الله عليه وسلم ذلك بيانا شافيا، قال الشافعي: أخبرني عمي، قال أخبرني: عبد الله بن علي بن السائب، عن عمرو بن أحيحة بن الجلاح، أو عن عمرو بن فلان بن أحيحة، قال الشافعي: أنا شككت، عن خزيمة بن ثابت أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن أو إتيان الرجل امرأته في دبرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «حلال»، فلما ولى الرجل دعاه، أو أمر به فدعي، فقال: «كيف قلت في أي الخربتين أو في أي الخرزتين أو في أي الخصفتين، أمن دبرها في قبلها فنعم أم من دبرها في دبرها فلا، إن الله لا يستحي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن».
قال الشافعي: عمي ثقة، وعبد الله بن علي ثقة، وقد أخبرني محمد وهو عمه محمد بن علي عن الأنصاري المحدث به أنه أثنى عليه خيرا، وخزيمة من لا يشك عالم في ثقته، والأنصاري الذي أشار إليه هو عمرو بن أحيحة، فوقع الاشتباه في كون الدبر طريقا إلى موضع الوطء، أو هو مأتي، واشتبه على من اشتبه عليه معنى من بمعنى في فوقع الوهم ".
وأجيب: أن القاعدة في الأصول: [لا يجوز تغليط الراوي الثقة إلا بدليل]، ولا دليل، وما ذكره ابن القيم -رحمه الله تعالى- لا يصلح أن يكون دليلا، فوقوع الخطأ من فاضل لا يلزم منه وقوع الخطأ ممن هو دونه!!.
الوجه الثالث: سلمنا صحة الرواية، لكنها ليست صريحة ولا ظاهرة في كون هذه الحادثة سبب للنزول، فيحتمل أن يكون هذا من فهم ابن عمر رضي الله عنه، والقاعدة في الأصول: [أن الاحتمال المساوي يسقط الاستدلال]، واختلاف الرواية عن ابن عمر في شأن التحريم وعدمه يؤكد أن هذا من فهمه، وقوله في الرواية: على عهد رسول الله ? ... لا يدل على الجواز، فالقاعدة في الأصول -على الصحيح-: [أن وقوع الفعل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يقم دليل على حصوله بمحضره، أو بلوغه إليه وإقراره، لا يدل على جواز ذلك الفعل].
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1591