نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1473
والإيمان بالقدر لا ينافي ما يفعله الإنسان باختياره؛ لأن ما يفعله هو مِن قدر الله؛ كما قال عمر -رضي الله عنه- لما أقبل على الشام، قال الناس: إن فيها الطاعون! فأوقف الناس، ثم شاور المهاجرين، فالأنصار؛ فكان رأي الأكثر: الرجوع؛ فأمر بالرجوع. فقال أبو عبيدة -رضي الله عنه-: أفِرارًا مِن قدَر الله؟! قال: نعم؛ نفِر مِن قدر الله إلى قدَر الله. وقال: " أرأيتَ لو كان لك إبل هبطت واديًا له عدوتان: إحداهما خصبة، والأخرى جدبة؛ أليس إن رعيتَ الخصبة رعيتَها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتَها بقدر الله؟ ".
إشكال: هل يلزم مَن يقول بأن ما يفعله الإنسان باختياره لا يُنافي قدر الله؛ أن يجعل العاصي معذورًا بمعصيته؟
الجواب: لا يلزم؛ فإن احتجاج العاصي بالقدَر باطل بالشرع والنظر.
دليل بطلانه من الشرع: قوله -تعالى-: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ} [الأنعام: 148].
ولو كان يصح أن يحتج العاصي بالقدر؛ لما أذاقهم بأسَه، ولقَبِل منهم هذه الحجة ولم يدحضها.
وقوله -تعالى-: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]؛ فأبطل الله الحجة بإرسال الرسل، ولو كان القدَر حجة؛ لما انتفت الحُجة بإرسال الرسل؛ لأنه باقٍ بعد إرسال الرسل.
وجه بطلانه من النظر:
لو نشر في الجريدة وظيفة مُرتبها عشرة آلاف ريال، ووظيفة خمسة آلاف ريال، ووظيفة ثلاثة آلاف ريال، فإذا لم يسابق في هذه الوظائف، ثم لم يحصل له واحد منها؛ لقال: أنا المفرِّط! فكذلك هنا: وظائف دينية مراتبها مختلفة.
فلِمَ تحتج بالقدر على أمور الآخرة، ولا تحتج به على أمور الدنيا؟
والذي لا يؤمن بالقدَر؛ كافر. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسُله، واليوم الآخر، والقدَر خيره وشرِّه ".
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- جعل الإيمان مَبنيًّا على هذه الأركان الستة، فإذا سقط أحدها؛ سقط البناء.
الإيمان بالله يتضمن أربعة أمور:
1 - وجوده.
2 - ربوبيته.
3 - ألوهيته.
4 - أسماءه وصفاته.
والإيمان بالملائكة يتضمن أربعة أمور:
وجودهم، ومن عِلمنا منهم بأسمائهم، وصفاتهم، وأفعالهم.
الإيمان بالكتب يتضمن خمسة أمور:
1 - أنها حق مِن عند الله.
2 - تصديق أخبارها.
3 - التزام أحكامها ما لم تُنسَخ، وجميع أحكام الكتب السابقة منسوخة بالقرآن.
4 - الإيمان بما علِمناه معيَّنًا؛ كالقرآن، والتوراة، والإنجيل، والزبور، وصحف إبراهيم وموسى.
5 - أن كل رسول أرسل معه كتاب، قال -تعالى-: {لقَد أرسلْنا رُسُلَنا بالبَيِّناتِ وأنزَلْنا معهمُ الكِتابَ} [الحديد: 25].
الإيمان بالرسل يتضمن خمسة أمور:
1 - أنهم صادقون مصدقون.
2 - نؤمن بما صح عنهم من الأخبار.
3 - أن نلتزم بما ثبت عنهم مِن الأحكام ما لم تُنسخ.
4 - الإيمان بأعيانِ مَن علِمنا أعيانَهم، وما لم نعلم أعيانهم نؤمن بهم على سبيل الإجمال.
5 - وأن لكل أمةٍ رسولاً تقوم به الحجة عليهم.
الإيمان باليوم الآخر:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " يدخل فيه: كل ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- مما يكون بعد الموت مِن: فتنة القبر، وعذاب القبر ونعيمه، والنفخ في الصور، وخروج الناس من قبورهم عُراة غُرلاً بُهمًا، والموازين، والصحُف، والصراط، والحَوض، والشفاعة ".
الإيمان بالقدَر يتضمن:
- الإيمان بتقدير الله للأشياء كلها؛ سواء ما يتعلق بفِعله، أو بفعل غيره، وأن الله قدرها وكتبها عنده قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة.
- الكتابة كائنة بعد العِلم؛ فالعلم سابق لها. وليس كل معلوم لله مكتوبًا؛ فالمكتوب هو إلى يوم القيامة، وأما بعده؛ فكثير لم يُكتب.
- لا بُد من الإيمان بخير القدر وشره؛ فخيرُه: ما يلائم العبد، وشرُّه: ما لا يُلائم العبد.
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1473