نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1433
فبان -بذلك- أن هذه العشرَ الأوَل -وبعض أهلُ العلم ألحقَ بها أيَّام التشريق- من شهر [ذي الحجَّة]- جمعت مِن الفضائل فضائل قد لا توجد في غيرِها؛ فهي من أشهر الحج -مِن جهة-، وهي من الأشهر الحرُم -مِن جهةٍ أخرى-.
q[الأيَّام المعلومات، والأيَّام المعدودات]
واللهُ -تبارك وتعالى- عندما ذكَر الحجَّ في كتابه؛ ماذا قال؟
قال: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ - لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ}.
قال ابن عباس: (الأيَّام المعلومات: هي العشر الأُوَل من شهرِ ذي الحجة) -التي نتكلَّم عن فضلها-.
ووصْفُ الله لها بأنها معلومات: إشارةٌ إلى أهميَّتِها، وتنبيهٌ لفضلِها، وتنبيه على مكانتِها، وإشادةٌ بذِكرها؛ فهي معلوماتٌ معروفاتٌ مشهوراتٌ وفي النُّفوس مُقرَّرات.
هذا مقصودُ قول الله -عزَّ وجل- {مَعْلُومَاتٍ}.
ثم اللهُ -عزَّ وجلَّ- يقولُ -سبحانَه- في آيةٍ أخرى-: {وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}
كثيرٌ من النَّاس -أيضًا- يخلطُ بين (الأيَّام المعلومات)، و (الأيَّام المعدودات).
والأيَّام المعدودات: أشهر الأقوال؛ أنَّها أيَّام التَّشريق: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر-من شهرِ ذي الحجة-؛ لذلك: بعضُ أهل العلم -كما أشرتُ- ألحَق أيَّام التشريقِ بأشهُر الحج.
q[حُكم صَوم أيَّام التَّشريق]
والنبيُّ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- يقول: "أيَّام التَّشريق: أيَّام أكلٍ، وشُرب، وذِكرٍ لله"؛ لذلك: أرجحُ الأقوال أن أيَّام التشريق لا يجوزُ صيامُها -لا للحاجِّ، ولا لغيرِ الحاجِّ؛ إلا: الحاجُّ الذي لم يجدِ الهدْي إذا كان متمتِّعًا؛ فيصوم ما عليه من صَوم في هذه الأيَّام-استثناءً وخروجًا من عُموم النَّص-.
q[ذِكر الأيَّام العشر في القرآن الكريم]
وكذلك قول الله -عزَّ وجلَّ-: {وَالْفَجْرِ - وَلَيَالٍ عَشْرٍ}.
قال الإمام الطبريُّ في "تفسيره": "وعلى هذا إجماع أهل التَّأويل أنَّ اللياليَ العشرَ المذكورةَ في هذا النصِّ القرآنيِّ إنما هي عشرٌ من ذي الحجة".
كل ذلك إشارةٌ كريمة جليلةٌ عظيمةٌ أنَّ هذه الأيَّام المبارَكة المبرورةَ مذكورةٌ في نصِّ القرآن الكريم بإجماعِ السَّلف والخلف -كما قال الإمامُ ابن كثيرٍ في "تفسيره"-أيضا-.
q[ما وردَ في السُّنة في فَضل الأيَّام العشرِ]
وقد روى الإمامُ أبو داودٍ: عن الصَّحابي الجليل -ابن عمِّ رسول الله-صلى اللهُ عليهِ وسلَّم- عبد الله بن عبَّاس قال: قال رسولُ الله -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "ما مِن أيَّام العملُ الصَّالح فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ مِن هذه الأيَّام"، قال الرَّاوي: يعني أيَّام العشر، قالوا: يا رسول الله! ولا الجهادُ في سبيل الله؟ فقال -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "ولا الجهادُ في سبيلِ الله؛ إلا رجلٌ خرج بنفسِه ومالِه؛ فلم يرجعْ مِن ذلك بشيءٍ" ..
هذا إنسانٌ عَمَلُه على هذه الصُّورة -إذا كانت موافِقةً للشَّريعة، مُنضبطةً بأصول المِلَّة، مُرتبطةً بأقوالِ عُلماء الأمَّة-؛ فإنَّه -والحالةُ هذه- يكون فِعلُه خيرًا من فعل العامِل بشَرع الله، والمطبِّق لطاعة الله، والمتبِّع لسُنَّة رسول الله، والذَّاكِر لله في هذه الأيَّام العشر-دون الجهاد على هذه الصورة-.
q[العملُ الصَّالح في الأيام العشر عام، ولا يختصُّ بالصِّيام]
ها هنا تنبيهٌ يغلط فيه كثيرٌ من النَّاس:
كلمة (العمل الصَّالح) كلمةٌ عامَّة؛ تشمل: الصَّلاة، والصِّيام، والصدقةَ، والذِّكر، وغير ذلك ..
فبعضُ أهلِ العلم يقول بأنَّه يُصام في هذه العشرة -كلِّها-.
وعلى ذلك كثيرٌ من النَّاس -في كثيرٍ من البِلاد-.
q[مسألة: هل صام النبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم- العشر كاملة أم بعضها؟]
لكنَّ الصَّواب: كما في حديث السَّيِّدة عائشة -رضي الله-تعالى-عنها-وهي التي يقول عنها الحافظُ ابنُ حجرٍ: (هي أعلمُ النَّاس بِعبادة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- في سفَره وحضَره، في ليلِه ونهارِه) -؛ قالت: "لَم أرَ رسول الله -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم- يصومُ العشرَ من ذي الحجةِ قطُّ".
فهذه إشارةٌ إلى أن النبيَّ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- لم يَصُمْها كاملةً.
لكن:
هل صام بعضًا وترك بعضًا؟
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1433