responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 1382
ويحك يا نفس!
ـ[أم محمد]ــــــــ[23 - 11 - 2010, 01:45 م]ـ
البسملة1

(إن دعتْه النفسُ الأمارة بالسوء إلى بعض المعاصي؛ قال لها الإيمان:

يا نفس! كيف يليق بكِ أن تأمريني بما يُضعف إيماني، ويعود عليكِ بالخسار؟!
كيف تأمرينني بِلذَّة ساعةٍ تُفوِّت لذاتٍ كثيرةً مِن أبلغها لذة حلاوة الإيمان؟!
أما تعلمين أن للإيمان حلاوة تُزري بِلَذَّات الدُّنيا كلها؟!
فالله الله -يا نفس! - أن تفجعيني بهذه الحلاوة.
ويحك -يا نفس! -!
أمَا لكِ نظر في عواقب الأمور؟!
فإن خاصية العقل: النظر في عواقب الأمور كما ينظر في مبادِيها، وإنه لا يدخل في أمر من الأمور حتى يَعرف المخرج منه بعافيةٍ وسلامة.
أما علِمتِ أن مَن وقع في المعاصي ارتكس، وكلما كرَّرها؛ استحكمَ قيدُه وحبْسُه وانتكس؟!
ويحك -يا نفس! -!
إذا أردتِ أن تعصي اللهَ؛ فلا تستعيني بنِعَمِه على معاصيه؛ فإن المعصية لا تتأتى إلا مِن القوَّة والعافية؛ ومَن الذي أعطاها؟!
ولا تتحرَّك إلا مِن توالي الشبع؛ ومَن الذي يسَّر الأقوات وآتاها؟!
ولا تكون -في العادة- إلا بخلْوة من الخلْق؛ ومَن الذي أسبل عليكَ حِلمَه وسترَه، ولا تقع إلا بِنظرِه إليك؟! فإيَّاك أن تستخفي باطلاعه وعِلمه.
أما تعلمين -يا نفسُ! - أن مَن جاهد نفسَه عن المعاصي وألزمها الخيرَ؛ فقد سعى في سعادتها، وقد أفلح مَن زكَّاها؟!
وأن مَن أطاع نفسَه على ما تُريد من الشَّر؛ فقد تسبب لهلاكِها ودسَّاها؟!
ويحك -يا نفسُ! -!
كم بيني وبينك في المعاملة: أنتِ تريدين هلاكي، وأنا أسعى لك بالنجاة!! وأنتِ تحيلين عليَّ بكلِّ طريق يوقِع في المضارِّ والشُّرور، وأنا أجتهد لكِ في كل أمرٍ مآله الخير والرَّاحة والسُّرور!!
هلمِّي -يا نفس! - إلى صُلح شريف يحتفظ كلٌّ منا على ما له مِن المُراداتِ والمقاصد، ونتَّفق على أمرٍ يحصل به للطَّرَفَين أصناف المصالح والفوائد.
دعيني -يا نفس! - أمضي متقدِّمًا إلى الخيرات، متَّجرًا فيه لتحصيل المكاسب والبركات.
دعيني أتوسَّل بإيماني إلى مَن أعطاه أن يُتمَّه بتمام الهداية، وكمال الرَّحمة، وأُكمل ما نقص منه؛ لعل اللهَ أن يُتم عليَّ وعليكِ النِّعمةَ.
ولئن تركتيني وشأني -لَمْ تعترضي عليَّ-بوجهٍ من الوجوه-؛ لأعطينَّكِ كلَّ ما تطلبينَه من المباحات، وكلَّ ما تؤمِّله النفوس وترجوه.
ولئن تركتيني وشأني؛ لأوصلنَّك إلى خيراتٍ ولذَّات طالما تمنَّاها المُتمنُّون، وطالما مات بِحسرتِها -قبل إدراكها- البطَّالون.
يا نفسُ!
أما تُحبين أن تُنقلي مِن هذا الوصف الدنيء إلى أوصاف النفوس المُطمئِنة التي اطمأنَّتْ إلى ربِّها، وإلى ذِكرِه، واطمأنَّت إلى عطائه ومَنعِه، واطمأنَّت إليه في جميع تدبيره، واطمأنَّت إلى توحيده والإيمان به حتى سلاها عن كلِّ المحبوبات، واطمأنَّت إلى وعدِه حتى كانت هي الحاملة للعبدِ على الطاعات المُزعجة له عن المعاصي والمُخالفات.

فلا يزالُ المؤمن مع نفسه في محاسبةٍ ومُناظرة حتى تَنقادَ لداعي الإيمان، وتكون ممن يُقال لها عن الانتقال من هذه الدار: {يا أيتُها النفسُ المُطمئنَّة - ارجِعي إلى ربِّكِ راضيةً مَرضيَّةً - فادخُلي في عِبادي - وادخُلي جَنَّتي}).

[نقلًا مِن: "الفتاوى السعدية"، ص 43 - 45]

ـ[أم محمد]ــــــــ[28 - 12 - 2010, 11:38 م]ـ
ومن أروع ما قرأتُ في محاسبة النفس كلام للإمام ابن الجوزي -رحمه الله- في "صيد الخاطر"، قال:

أمكنني تحصيل شيء من الدنيا بنوعٍ من أنواع الرُّخَص.
فكنتُ كلما حصل شيء منه؛ فاتني من قلبي شيء، وكلما استنارتْ لي طريق التَّحصيل؛ تجدد في قلبي ظلمة.
فقلتُ: يا نفسَ السُّوء! الإثم حواز القلوب، وقد قال: " استفتِ قلبَك "؛ فلا خيرَ في الدنيا -كلِّها- إذا كان في القلبِ مِن تحصيلِها شيءٌ أوجب نوعَ كدَر.
وإن الجنَّة لو حصلت بسببٍ يقدح في الدِّين أو في المعاملة؛ ما لذَّت، والنَّوم على المزابل مع سلامةِ القلب من الكدَر؛ ألذُّ من تكآت المُلوك.
وما زلتُ أغلب نفسي تارةً وتغلبني أخرى، ثم تدعي الحاجة إلى تحصيل ما لا بد لها منه، وتقول: فما أتعدى في الكسب المُباح في الظاهر.
فقلتُ لها: أوليس الورع يمنع من هذا؟
قالت: بلى.
قلتُ: أليستْ القسوةُ في القلبِ تحصلُ به؟
قالت: بلى.
قلتُ: فلا خيرَ لكِ في شيءٍ هذا ثمرتُه.
فخلوتُ يومًا بنفسي، فقلتُ لها: ويحك! اسمعي؛ أحدثْكِ:
إن جمعتِ شيئًا من الدُّنيا من وجهٍ فيه شُبهة؛ أفأنتِ على يقينٍ من إنفاقه؟
قالت: لا.
قلتُ: فالمحنة أن يحظى به الغير ولا تنالين إلا الكدر العاجل، والوزرَ الذي لا يؤمَن.
ويحكِ! اتركي هذا الذي يمنع منه الورعُ لأجل اللهِ، فعامِليه بِتركه.
وكأنكِ لا تريدين أن تتركي إلا ما هو مُحرَّم -فقط-؟! أو ما لا يصِح وجهه؟!
أوَ ما سمعتِ أن " مَن ترك شيئًا لله؛ عوَّضه الله خيرًا منه "؟
أما لكِ عبرة في أقوام جمعوا فحازه سِواهم؟!! وأمَّلوا فما بلغوا مُناهم؟!!
كم مِن عالِم جمع كُتبًا كثيرةً ما انتفع بها!
وكم من منتفِعٍ ما عنده عشرة أجزاء!
وكم مِن طيِّب العيش لا يملكُ دينارَين!
وكم مِن ذي قناطير مُنغَّص!!
أما لكِ فطنة تتلمَّح أحوال مَن يترخَّص مِن وجهٍ؛ فيُسلب منه مِن أوجُه؟
ربما نزل المرضُ بصاحب الدَّار، أو ببعض مَن فيها، فأنفق في سَنتِه أضعاف ما ترخَّص في كسْبه! والمتَّقي مُعافًى.
فضجَّتِ النَّفس مِن لومي وقالت: إذا لم أتعدَّ واجبَ الشَّرع؛ فما الذي تُريد مني؟!
فقلتُ لها: أضِنُّ بكِ عن الغبن، وأنتِ أعرف بباطنِ أمرِك.
قالت: فقُل لي ما أصنع؟
قلتُ: عليكِ بالمراقبة لمن يراكِ، ومثِّلي نفسَكِ بحضرة معظم من الخلق؛ فإنَّك بين يدي الملِك الأعظم يرى مِن باطنك ما لا يراه المعظمون من ظاهرِك.
فخذي بالأحوط، واحذري من التَّرخُّص في بيع اليقين والتَّقوى بعاجِل الهوى.
فإن ضاقَ الطبعُ مما تَلقَين؛ فقولي له: مهلًا! فما انقضتْ مدة الإشارة، واللهُ مرشدكِ إلى التحقيق، ومُعينكِ بالتوفيق.
¥

نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 1382
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست