نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1380
والمعتقد الصحيح هو ما مشى عليه أهل السنة والجماعة، ومنهم هذا الإمام الجليل: أن عقيدته في القرآن ما جاءت به آياتُ القرآن؛ فهو القديم المنزَّل، والمراد به: أي أنه صفة الله، أنه قديم النوع، حادِث الآحاد، وهذا ما يعبِّر به السلف في القرآن؛ يقولون: (قديم النوع، حادث الآحاد) أي: إنه صفة لله -تبارك وتعالى- من صفاته، و (حادِث الآحاد): أي النزول؛ فإن الله -تبارك وتعالى- أنزله في ثلاث وعشرين سنة -على قول جمهور أهل العلم-، أنزله في ثلاث وعشرين سَنة؛ تنزل السورة، وتنزل الآيات، وتنزل -يعني- آية واحدة .. وهكذا؛ حتى اكتمل نزول القرآن والسنَّة المطهرة في ثلاث وعشرين سنة، ولما اكتمل الوحيان انتقل النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- إلى الرفيق الأعلى؛ توفاه الله كغيره من الرسل والأنبياء الذين سبقوه؛ كما قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء: 34]، ثم أخبر الله -تبارك وتعالى-: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]، اكتملت نزولاً دل على ذلك نصوص الكتاب والسُّنة.
يعني: يقول في القرآن الكريم -بل وفي غيره من الصفات- يقول بما قال الله، وبما قال الرسول الهادي -عليه الصلاة السلام-، والذي قاله الله، وقاله رسولُه: أن القرآن مُنزَّل من عند الله غير مخلوق، كما سبق في الآيات التي ذكرتُها -آنفًا-: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدخان: 3]، {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: 6]، {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ} [الجن: 1]، وقوله -عز وجل-: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 - 4] .. آيات القرآن شاهدة بأن القرآن مُنزَّل من عند الله غير مخلوق، منه بدأ وإليه يَعود، وأنه قديم النوع وحادِث الآحاد، فلم ينزل جملةً واحدة؛ وإنما نزل مفرَّقًا في ثلاث وعشرين سنة بحسب الحوادث والوقائع والأسئلة التي ترِد على النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فيأتي جوابها من عند الله {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} [البقرة: 189]، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [البقرة: 219]، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 217]، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1]، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} [النازعات: 42] أسئلة .. والنبي -صلى الله عليه وسلم- يأتيه الجواب من عند الله فيجيبهم، وما قاله الله -عز وجل- بلَّغه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
آيات الصفات في كتاب الله -عز وجل- يجب إمرارُها كما جاءت، وهذا مذهب السلف -في كل زمان ومكان- إمرارها كما جاءت لما جاءت له، وليس المراد بالإمرار: التفويض؛ وإنما إمرارها كما جاءت للمعاني التي جاءت لها بالفهم الصحيح.
فكلما وجدنا نصًّا من القرآن فيه إثبات اسمٍ لله، أو صفة لله -عز وجل-؛ نُمرها كما جاءت؛ أي: للمعنى الذي جاءت له، مبينين ذلكم المعنى؛ فمثلاً قول الله -عز وجل-: {وَهُو عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (قدير): اسم لله عز شأنه، من أسماء الله الحسنى؛ دل على إثبات صفة القدرة، صفة ذاتية تليق بعظمة الله وجلاله، لا تشبيه، ولا تمثيل، ولا تحريف، ولا تعطيل، ولا تأول؛ هذا معنى الإمرار -إمرارها-، مع بيان ما دلت عليه من المعنى.
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1380