نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1325
«اللهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَجْمَعْهَا إِلَّا لِأَصُونَ بِهَا حَسَبِي وَدِينِي» ([9] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn9))، وسأل رجل الحسن فقال: يا أبا سعيد أفتح مصحفي فأقرأه حتى أمسي؟ قال الحسن: «اقْرَأْهُ بِالْغَدَاةِ، وَاقْرَأْهُ بِالْعَشِيِّ، وَكُنْ سَائِرَ نَهَارِكَ فِي صَنْعَتِكَ وَمَا يُصْلِحُكَ» ([10] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn10))، وقال الجنيد: «لَيسَ التوكُّل الكَسبَ، وَلا تَركَ الْكَسْبِ، التوكُّل شَيْءٌ فِي الْقُلُوبِ»، وقال أيضاً: «إِنَّمَا هُوَ سُكُون الْقَلْب إِلَى مَوْعُودِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» ([11] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn11)). قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لا يَكُونَ تَجْرِيدُ هَذَا السُّكُونِ عَنِ الْكَسْبِ شَرْطاً فِي صِحَّةِ التوكُّل بَلْ يَكْتَسِبُ بِظَاهِرِ الْعِلْمِ مُعتَمِدَاً بِقَلْبِهِ عَلَى اللهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ بَعْضُهُمُ: اكْتَسِبْ ظَاهِراً وَتَوَكَّلْ بَاطِناً، فَهُوَ مَعَ كَسْبِهِ لَا يَكُونُ مُعتَمِدَاً عَلَى كَسْبِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ اعْتِمَادُهُ فِي كِفَايَةِ أَمْرِهِ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: رأيت من أعظم حيل الشيطان ومكره، أن يحيط أرباب الأموال بالآمال، والتشاغل باللذات القاطعة عن الآخرة وأعمالها، فإذا علقهم بالمال - تحريضاً على جمعه، وحثا على تحصيله - أمرهم بحراسته بخلا به، فذلك من متين حيله، وقوي مكره، ثم دفن في هذا الأمر من دقائق الحيل الخفية، أنْ خوَّف من جمعه المؤمنين، فنفر طالب الآخرة منه، وبادر التائب يخرج ما في يده، ولا يزال الشيطان، يحرضه على الزهد، ويأمره بالترك، ويخوفه من طرقات الكسب، إظهاراً لنصحه وحفظ دينه. وفي خفايا ذلك عجائب من مكره، ورُبَّما تكلم الشيطان على لسان بعض المشايخ الذين يقتدي بهم التائب، فيقول له: اخرج من مالك وادخل في زمرة الزهاد، ومتى كان لك غداء أو عشاء، فلست من أهل الزهد، ولا تنال مراتب العزم، ورُبَّما كرَّر عليه الأحاديث البعيدة عن الصحة والواردة على سبب ولمعنى، فإذا أخرج ما في يده، وتعطل عن مكاسبه، عاد يعلق طموحه بصلة الإخوان، أو يحسن عنده صحبة السلطان، لأنه لا يقوى على طريق الزهد والترك إلا أياماً، ثم يعود الطبع فيتقاضى مطلوباته، فيقع في أقبح مما فر منه، ويبذل أول السلع في التحصيل دينه وعرضه، ويصير متمندلاً به، ويقف في مقام اليد السفلى.
ولو أنه نظر في سير الرجال نبلائهم، وتأمل صحاح الأحاديث، عن رؤسائهم، لعلم أن الخليل عليه الصلاة والسلام كان كثير المال، حتى ضاقت بلدته بمواشيه، وكذلك لوط عليه الصلاة والسلام، وكثير من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والجمع الغفير من الصحابة.
وإنما صبروا عند العدم، ولم يمتنعوا من كسب ما يصلحهم، ولا من تناول المباح عند الوجود.
وكان أبو بكر رضي الله عنه يخرج للتجارة والرسول صلى الله عليه وسلم حي، وكان أكثرهم يخرج فاضل مما يأخذ من بيت المال، ويسلم من ذل الحاجة إلى الإخوان، وقد كان ابن عمر لا يرد شيئاً، ولا يسأل، وإني تأملت أكثر أهل الدين والعلم على هذه الحال، فوجدت العلم شغلهم عن المكاسب في بداياتهم، فلما احتاجوا إلى قوام نفوسهم ذلوا، وهم أحق بالعز.
وقد كانوا قديماً يكفيهم بيت المال فضلات الإخوان، فلما عدمت في هذا الأوان، لم يقدر متدين على شيء إلا يبذل شيء من دينه، وليته قدر فرُبَّما تلف الدين لم يحصل له شيء.
فالواجب على العاقل أن يحفظ ما معه، وأن يجتهد في الكسب ليربح مداراة ظالم، أو مداهنة جاهل، ولا يلتفت إلى ترهات المتصوفة، الذي يدعون في الفقر ما يدعون، فما الفقرُ إلا مرض العجزة، وللصابر على الفقر ثواب الصابر على المرض، اللهم إلا أنْ يكون جباناً عن التصرف، مقتنعاً بالكفاف، فليس ذلك من مراتب الأبطال، بل هو من مقامات الجبناء الزهاد، وأما الكاسب ليكون المعطي لا المعطى، والمتصدِّق لا المُتَصدَّق عليه، فهي مِنْ مراتب الشجعان الفضلاء، ومن تأمَّل هذا علم شرف الغنى ومخاطرة الفقر ([12] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn12)).
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1325