نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1324
ومن الأمور التي تنتقد في الكتاب قوله: (فإن التوكُّل من مقامات الدِّين يُستعان به على التفرُّغ لله تعالى فما للبطال والتوكُّل، وإن كان مشتغلاً بالله ملازماً لمسجد أو بيت وهو مواظب على العلم والعبادة فالناس لا يلومونه في ترك الكسب ولا يكلِّفونه ذلك، بل اشتغاله بالله تعالى يقرِّر حُبَّه في قلوب الناس حتى يحملون إليه فوق كفايته، وإنما عليه أن لا يغلق الباب ولا يهرب إلى جبل من بين الناس وما رؤي إلى الآن عالم أو عابد استغرق الأوقات بالله تعالى وهو في الأمصار فمات جوعاً ولا يرى قط، بل لو أراد أن يطعم جماعة من الناس بقوله لقدر عليه، فإنَّ مَنْ كان لله تعالى كان الله عز وجل له، ومن اشتغل بالله عز وجل ألقى الله حُبَّه في قلوب الناس، وسخَّر له القلوب كما سخَّر قلبَ الأم لولدها، فقد دبَّر الله تعالى الملك والملكوت تدبيراً كافياً لأهل الملك والملكوت، فمن شاهد هذا التدبير وثق بالمدبِّر واشتغل به، وآمن ونظر إلى مدبِّر الأسباب لا إلى الأسباب).
ثم قال: (فتركه التوكُّل واهتمامه بالرزق غاية الضعف والقصور) وقال: (فالاهتمام بالرزق قبيح بذوى الدين وهو بالعلماء أقبح لأنَّ شرطهم القناعة والعالم القانع يأتيه رزقه ورزق جماعة كثيرة إن كانوا معه إلا إذا أراد أن لا يأخذ من أيدى الناس ويأكل من كسبه فذلك له وجه لائق بالعالم العامل الذي سلوكه بظاهر العلم والعمل، ولم يكن له سير بالباطن فإن الكسب يمنع عن السير بالفكر الباطن فاشتغاله بالسلوك مع الأخذ من يد من يتقرَّب إلى الله تعالى بما يعطيه أولى لأنه تفرُّغٌ لله عز وجل وإعانةٌ للمعطي على نيل الثواب)
أقول:- وليس لمثلي أنْ يَرُدَّ على الإمام الغزالي ولكنَّها طبيعة المتطفلين على أهل العلم - التوكُّل حقيقته في القلب، فلا تعارض بين عمل الجوارح والأخذ بالأسباب وبين التوكُّل على الله، فقول الإمام الغزالي رحمه الله: (فالناس لا يلومونه في ترك الكسب، ولا يكلِّفونه ذلك، بل اشتغاله بالله تعالى يقرِّر حُبَّه في قلوب الناس حتى يحملون إليه فوق كفايته)، وقوله: (فالاهتمام بالرزق قبيح بذوى الدين وهو بالعلماء أقبح)، وقوله: (فاشتغاله بالسلوك مع الأخذ مِنْ يد مَنْ يتقرب إلى الله تعالى بما يعطيه أولى، لأنه تفرغ لله عز وجل وإعانة للمعطى على نيل الثواب).
هذا غير صحيح وهو مخالف لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى) ([2] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn2))، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ) ([3] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn3))، وقوله: (نعم المال الصالح، للرجل الصالح) ([4] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn4)). وقال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) ([5] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn5))، ومن القوة: القوة الاقتصادية، والمواظب على طلب العلم والعبادة لا ينبغي له أبداً أن يكون عالة على الناس، فإنه يصغر في عينهم، وتذهب هيبته من نفوسهم، ويضطر بعضهم إلى مداهنة الأغنياء بالباطل، وإذلال نفسه للناس، وقد يضيع شيئاً من دينه، عن سفيان قال: ما وضع رجل يده في قصعة رجل إلا ذلَّ له ([6] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn6))، أما إذا كان غنياً مادياً ومعنوياً، مكتفياً بما يكسبه لنفسه من أسباب مشروعة، فلا يذل نفسه بالأخذ من صدقات الناس، ولا يداهن أحداً، وهذا هو منهج الإسلام، وقد أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه على قوم فقال: مَا أَنْتُمْ؟ فقَالُوا: نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ، فقَالَ: «بَلْ أَنْتُمُ الْمُتَّكِلُونَ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالْمُتَوَكِّلِينَ؟ رَجُلٌ أَلْقَى حَبَّهُ فِي بَطْنِ الْأَرْضِ، ثُمَّ تَوَكَّلَ عَلَى رَبِّهِ»، وَقَوْلُهُ: (الْمُتَّكِلُونَ) يَعْنِي عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ ([7] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn7))، وقال سعيد بن المسيب: «لا خَيْرَ فِيمَنْ لا يُحِبُّ المالَ لِيَصِلَ بِهِ رَحِمَهُ، وَيُؤَدِّيَ بِهِ أَمَانَتَهُ، وَيَسْتَغْنِيَ بِهِ عَنْ خَلْقِ رَبِّهِ» ([8] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn8))، وعن سعيد بن المسيب أنه لما حضره الموت ترك دنانير وقال:
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1324