نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1322
ومن ذلك قوله: (أما علمت أنَّ ترك الاشتغال بالمال وفراغ القلب للذكر والتذكر والتذكار والفكر والاعتبار أسلم للدين، وأيسر للحساب، وأخف للمسألة، وآمن من روعات القيامة، وأجزل للثواب، وأعلى لقدرك عند الله أضعافاً، بلغنا عن بعض الصحابة أنه قال: لو أنَّ رجلاً في حجره دنانير يعطيها، والآخر يذكر الله، لكان الذاكر أفضل، وسئل بعض أهل العلم عن الرجل يجمع المال لأعمال البر، قال: تركه أبرُّ به، وبلغنا أنَّ بعض خيار التابعين سئل عن رجلين، أحدهما طلب الدُّنيا حلالاً فأصابها، فوصل بها رحمه وقدم لنفسه، وأما الآخر فإنه جانبها فلم يطلبها ولم يتناولها، فأيهما أفضل؟ قال: بعيد والله ما بينهما، الذي جانبها أفضل كما بين مشارق الأرض ومغاربها، ويحك فهذا الفضل لك بترك الدُّنيا على من طلبها، ولك في العاجل إن تركت الاشتغال بالمال، وإن ذلك أروح لبدنك وأقل لتعبك، وأنعم لعيشك وأرضى لبالك، وأقل لهمومك، فما عذرك في جمع المال وأنت بترك المال أفضل ممن طلب المال لأعمال البر، نعم وشغلُك بذكر الله أفضل من بذل المال في سبيل الله، فاجتمع لك راحة العاجل مع السلامة والفضل في الآجل، وبعد فلو كان في جمع المال فضل عظيم لوجب عليك في مكارم الأخلاق أن تتأسى بنبيك إذ هداك الله به، وترضى ما اختاره لنفسه من مجانبة الدُّنيا، ويحك تدبر ما سمعت وكن على يقين أن السَّعادة والفوز في مجانبة الدُّنيا).
لكن هذه مقامات وأحوال لا يلزم الناس كلهم الأخذ بها، فإنَّ مِنَ النَّاس مَنْ لا تقوى نفسُه على العبادة إذا كان في شدة، أو كان جائعاً أو غير مروِّح عن نفسه ببعض المباحات التي تجدد نشاطه، كما قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: (ما زال جماعة من المتزهدين يزرون على كثير من العلماء إذا انبسطوا في مباحات، والذي يحملهم على هذا: الجهل، فلو كان عندهم فضل علم ما عابوهم، وهذا لأنَّ الطباع لا تتساوى، فرب شخص يصلح على خشونة العيش، وآخر لا يصلح على ذلك، ولا يجوز لأحد أن يحمل غيره على ما يطيقه هو، غير أن لنا ضابطاً هو الشرع، فيه الرخصة وفيه العزيمة. فلا ينبغي أن يلام من حصر نفسه في ذلك الضابط.
ورب رخصة كانت أفضل من عزائم لتأثير نفعها.
ولو علم المتزهدون أنَّ العلم يوجب المعرفة بالله تعالى، فتنبت القلوب من خوفه، وتنحل الأجسام للحذر منه فوجب التلطف حفظاً لقوة الراحلة، ولأن آلة العلم والحفظ: القلب والفكر، فإذا رفهت الآلة جاد العمل، وهذا أمر لا يعلم إلا بالعلم.
فلجهل المتزهدين بالعلم أنكروا ما لم يعلموا، وظنوا أن المراد إتعاب الأبدان، وإنضاء الرواحل، وما علموا أن الخوف المضني يحتاج إلى راحة مقاومة، كما قال القائل. روحوا القلوب تعي الذكر) ([1] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn1)).
وعلى القارئ لإحياء علوم الدين أن يقارن كلام الإمام الغزالي رحمه الله بعضه ببعض، فكما حذَّر من الدُّنيا وزهَّد فيها، فقد حثَّ على الاعتدال في أمر الدُّنيا، وأن لا يتركها العبد بالكلية، فقد قال بعد أن ذكر طوائف الناس ومذاهبهم الفاسدة في الدُّنيا: (وإنما النَّاجي منها فرقة واحدة وهي السالكة ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهو أن لا يترك الدُّنيا بالكلية، ولا يقمع الشهوات بالكلية. أما الدُّنيا فيأخذ منها قدر الزاد، وأما الشهوات فيقمع منها ما يخرج عن طاعة الشرع والعقل. ولا يتبع كلَّ شهوة، ولا يترك كلَّ شهوة، بل يتبع العدل. ولا يترك كلَّ شيء من الدُّنيا، ولا يطلب كلَّ شيء من الدُّنيا، بل يعلم مقصود كل ما خلق من الدُّنيا ويحفظه على حدِّ مقصوده. فيأخذ من القوت ما يقوي به البدن على العبادة، ومن المسكن ما يحفظ عن اللصوص والحر والبرد، ومن الكسوة كذلك، حتى إذا فرغ القلب من شغل البدن أقبل على الله تعالى بكنه همته، واشتغل بالذكر، والفكر، طول العمر، وبقي ملازماً لسياسة الشهوات، ومراقبا لها، حتى لا يجاوز حدود الورع والتقوى. ولا يعلم تفصيل ذلك إلا بالاقتداء بالفرقة الناجية وهم الصحابة، فإنه عليه السلام لما قال: (الناجي منها واحدة) قالوا يا رسول الله (ومن هم) قال: (أهل السُّنَّة والجماعة) فقيل (ومن أهل السُّنَّة والجماعة) قال: (ما أنا عليه وأصحابي). وقد كانوا على النهج القصد، وعلى السبيل الواضح الذي فصلناه من قبل، فإنهم ما كانوا يأخذون الدُّنيا
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1322