نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1234
الإمامُ ابن القيِّم له كلمةٌ جميلة جدًّا في كتابه «المنار المُنيف»، يقول -مُبيِّنًا علاماتِ الحديث الموضوع- ..
الحديث الموضوع عند أهلِ العلم: له علاماتٌ وإشاراتٌ يَعرفُها هؤلاء العُلماء؛ نتيجة تمكُّنهم وخِبرتِهم في معرفةِ ألفاظِ النُّبوَّة، وفي إدراكِ مقاصد الأحاديثِ الشَّريفة وتمييزِها ..
يقول: (ومنها) أي: مِن هذه العلامات (أن يكونَ في الحديثِ تاريخُ كذا وكذا؛ مثل ما يُنسب إلى النبي -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- أنَّه قال: إذا كانت سَنَة كذا وكذا وقعَ كَيت وكَيت، وإذا كان شهرُ كذا وكذا وقع كيْت وكيت).
قال: (وكقولِ الكذَّاب الأشِر)؛ يعني: الوضَّاع الذي يضعُ الأحاديث، ويَفتريها، ويَنسبُها إلى النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم- (إذا انكسف القمرُ في المحرَّم؛ كان الغلاءُ والقِتال وشُغل السُّلطان وإن انكسفَ في صَفر؛ كان كذا وكذا)!
الحمد للهِ أنَّنا أوردنا الحديثَ بعد كُسوفِ الشَّمس؛ وإلا لاستدلَّ به بعضُ الجَهلة على ذلك، وقد يقولُ: القمر والشَّمس سيَّان؛ فيجعل ما في الليلِ في النَّهار؛ كما كان أهلُ الجاهِليَّة يجعلون المحرَّم في صفر، وهكذا أهل الأهواءِ والبِدع، وأهلُ الجهلِ والفُجور يفعَلون ما يَحلو لهم -مِن غيرِ بيِّنةٍ، ولا هُدًى، ولا كِتابٍ مُنير-.
قال: (وكذلك استمرَّ هذا الكذَّاب في الشُّهور كلِّها)!! يعني: لم يكتفِ -فقط- بشَهر المحرَّم وشهرِ صَفر؛ بل أتَى بقصَّة وحِكايةً وتنبُّؤ مُفتَرًى في كلِّ شهرٍ من الشُّهور الهجريَّة الاثني عشر!!
قال: (وأحاديثُ هذا البابِ كلُّها كذِب مُفترى)؛ يعني: الأحاديث التي فيها تقدير الشُّهور وذِكر الوقائع فيها؛ لم يصح في ذلك شيءٌ من سُنَّة النبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم-.
ونذكِّر إخوانَنا بما ذكرهُ الإمامُ الذَّهبي في كِتابِه «سِيَر أعلامِ النُّبلاء» عن الإمامِ عبد اللهِ بن المبارك أنَّه قال: (في الحديثِ الصَّحيح غُنيةٌ عن الحديثِ الضَّعيف).
بعضُ النَّاس تراهُم كأنَّما يَبحثونَ في خُطبِهم ومواعظِهم في «موضوعاتِ» ابن الجوزي! أو في «سلسلة الأحاديث الضَّعيفة»!! ويتركون «الصَّحيحَين»، ويَتركون كُتب الصِّحاح الثَّابتة المُنقَّاة المصفَّاة عن أئمَّة الإسلام
(في الصَّحيح غُنيةٌ عن الحديثِ الضَّعيف).
واللهِ؛ لو عشتَ دهركَ كلَّه تُدرِّس وتَدرُس، وتُعلِّم وتتعلَّم من الأحاديثِ الصَّحيحة .. سواء منها ما كان في «الصَّحيحَين»، أو «السُّنن الأربعة»، أو «المُسنَد» -ولا نُريد أن نزيد-، مع أنَّها ليستْ كلُّ السُّنة الصَّحيحة -فقط- مِن هذه الكتب؛ لكن: هي أكثرها .. أنا أكاد أجزم: أنَّ هذه الكتب حوَت أكثر من ثمانين في المئة مِن الأحاديثِ الصَّحيحة عن النبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وآلِه وسَلَّم-.
تراهُ يأتي بأحاديثَ ضعيفة، وأحاديث لا أصلَ لها، وأحاديثَ باطلة؛ كلُّ ذلك بسببِ الجهل، وبسببِ الهوى!!
يقول لك: واللهِ هذا الحديث يُؤثِّر في قلوب الناس!!!
تؤثِّر في قلوب النَّاس بالكذب؟!
تؤثِّر في قلوب النَّاس بالافتِراء، والدَّجل على النَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم-؟!
لو هذا الإنسان الذي علَّمتَه، أو ذكَّرتَه، أو وعظتَه بهذا الحديث، ثم حصل أن تعلَّم العِلمَ، وتفهَّم؛ ماذا سيقولُ عنك؟ سيقول عنك: إنَّك مخادِع! سيقولُ عنكَ: إنَّكَ مُفترٍ! لأنك تَنسبُ إلى رسولِ الله -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- مالم يعلم.
كنتُ -مرَّة- في أحد المساجد: فإذا برجلٍ يتكلَّم هكذا؛ كحالِ -للأسفِ- كثير من وُعاظ هذا الزَّمان؛ فأورد حديثًا باطلًا، لا أصلَ له، فبعدَ أن انتهى -مِن باب الأدبِ في الإنكار- نصحتُه وقلتُ له: (يا أخي! هذا الحديثُ الذي ذكرتَه باطل، لا أصلَ له)؛ فإذا به يُجيب فيقول -واعجَبوا مما يقول-: (يجوزُ الاستدلال بالأحاديث الضَّعيفة في فضائل الأعمال)! وأنا أقول له: (باطلٌ، لا أصلَ له)، ويقول: (يجوزُ الاستدلال بالضعيف في فضائل الأعمال)!!
حتى أهل العلم -الذين ذكَروا هذه القاعدةَ- ذكرُوا لها شُروطًا؛ مِن أهمِّ شروطِها: أن لا يكونَ الحديث المُستدلُّ به شديد الضَّعف.
وأنا أكاد أجزم: أنَّه ليس في بلاد المُسلمين ممَّن يستطيعون تمييز الأحاديث الضَّعيفة -بعضها عن بعض-: (هذا ضعيف .. هذا شديد الضَّعف .. هذا موضوع .. هذا لا أصلَ له ..)؛ إلا أفراد قليلون لا يكادون يتجاوزُون عددَ أصابع اليَد، وإن شئتَ؛ فإنَّ هذا قد يكونُ أكثر بقليلٍ وقليلٍ جدًّا.
وكما يُقال: (والجاهِلون لأهلِ العلم أعداءُ)، و (الجاهِل عدُوُّ نفسِه).
هذا لو أنَّه أدرك قيمةَ السُّنَّة وعظَمَتها ومكانتَها ومنزلتَها في الإسلام؛ لما تجرَّأ هذه الجُرأة، ولا يَشفع له حُسنُ نيَّتِه .. كما قلنا: لا بُدَّ من الإخلاصِ لله والموافقة لسُنَّة رسولِ الله -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-.
بعضُ النَّاس -إذا أنكرتَ عليه- يقول: يا شيخ! إنما الأعمال بالنِّيَّات! وجهل قولَ أهل العلم -شرحًا لهذا الحديث-: (إنَّما الأعمال الصَّالحة بالنِّيَّات الصَّالحة)؛ أمَّا أعمال فاسدة بنيَّات صالِحة؛ هذان ضدَّان لا يجتمعان!
واجتماع ضدَّين معًا في حالِ .. مِن أقبحِ ما يأتي من المُحال
ونسأل الله -سُبحانَهُ وتَعالَى- أن يُعلِّمنا ما يَنفعُنا، وأن يزيدَنا علمًا، وأن يرزقَنا العلمَ النَّافع والعمل الصالح؛ إنَّه -سُبحانَه- وليُّ ذلك والقادِر عليه.
وصلى الله وسلم وباركَ على نبيِّنا محمد وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين.
-تمَّ بحمد الله-
[تفريغ أختكم / أم محمد]
من هنا للاستماع للمحاضرة (http://www.ballighofiles.com/emad/07.01.2011.mp3)
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1234