نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1233
بعض النَّاس -وللأسفِ- قد يخطبُ الخطبةَ الكاملةَ، أو يُدرِّس الدرسَ الكامل؛ بناءً على ورقةِ الرُّوزنامة التي تُعلَّق في المساجد! يقرأ الرُّوزنامة: (قال رسول الله)؛ فيُقيم خطبتَه، أو دَرسَه، أو مجلسَه عليه!! وقد يكونُ الحديثُ من المكذوبات، والمفترَيات، والباطِلات، والنُّصوص التي لا أصل لها في الدَّفاتر، ولا في كُتب علماء الإسلام -الغابرات، والحاضِرات-!
وهل نقصتْ علومُ أهل السُّنة وكتبُهم ومؤلَّفاتهم حتى لا يكونَ لهذا مِن مصدرٍ إلا من الجريدةِ أو مِن الرُّوزنامةِ وما أشبه؟!! هذا خللٌ عظيمٌ -وعظيم جدًّا-.
ومِن الطَّريف: أنَّه قد حدث في هذا الشَّهر -وهو كما قُلنا-ونُكرِّر-: لا نقولُ شهرَ خير، ولا نقول شهر شرٍّ، لا نتشاءمُ منه، ولا نتفاءل به- حدثتْ فيه أمورٌ -كما حدثتْ في عددٍ من الشُّهور الأخرى- مع النَّبي الكريمِ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم-
فالرَّسولُ -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- غزا غزوةَ الأبواءِ -وهي أوَّل غزوةٍ غزاها بنفسِه- في شهرِ صفر على رأس اثني عشرَ شهرًا بعد الهجرة. هذا حصل في شهر صفر.
وأيضًا: كانت وقعةُ بئرِ مَعونة في شهر صفر من السَّنَة الرَّابعة -أيضًا-، وهي مِن معالِم الإسلام ومعارِكه العُظمى.
وأيضًا: خروج النَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم- إلى خَيبر كان في أواخِر المحرَّم، وفتحُها كان في صَفر.
إذًا: هنالك أمورٌ حصلتْ في هذا الشَّهر، كما حصلت أمور أخرى عظيمة ومُباركة وجليلة في شُهورٍ أخرى في واقعِ النَّبي وحياتِه الشَّريفة -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم-.
وكذلك: نُشير إلى أنَّه قد وردتْ أحاديثُ مكذوبةٌ في شهر صَفَر -ليس-فقط-هذا الحديث الذي هُو كما يُقال: (حديثُ خُرافةٍ يا أمَّ عمرو)!! - ..
ومِن علامات الأحاديثِ الباطلة والموضوعة: طولُها.
لذلك: الأحاديثُ الطوال محدودةٌ ومعدودةٌ، وأهل العلم ألَّفوا فيها كتُبًا خاصَّة:
ألَّف الإمامُ أبو موسى المَديني كتاب: «الأحاديث الطوال»، وألَّف الطَّبراني كتابًا -أيضًا- في الأحاديث الطوال.
جُلُّ -إن لم يكن: كلُّ- الأحاديثِ الخارجة عن هذَين الكتابَين؛ تكون باطلةً ولا أصلَ لها.
حتى هذان الكتابان وقعت فيهما بعضُ الأحاديث التي لا تَصحُّ ولا تَثبتُ عن النَّبي -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-؛ منها: الحديث المشهور بحديث الصُّور، وهو مِن الأحاديث الطَّويلة التي تتكلَّم عن أعمال يومِ القيامة ومُجرياتِها، ولم يَرِد لفظُ أن إسرافيل هو الموكَّل بالصُّور؛ إلا في هذا الحديث الضَّعيف -على كثرةِ، وشُهرة، وتردُّد ما يقع على ألسنةِ أهلِ العلم وفي كتُبهم: أنَّ الملَك الموكَّل بالصُّور هو: إسرافيل-؛ وهذا لم يصحَّ -قطُّ- عن النبي -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، ولم يَرِد إلا في حديث الصُّور -الذي هو حديث ضعيف-؛ بل وَرد في حديثٍ آخر -وهو حديثٌ صحيح-: أن إسرافيل هو الملَك الموكَّل في الجيشِ، والنُّصرةِ للجيشِ، والقيامِ بمُعاداة الأعداء للمسلمين -أو كما ورد عن النبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وآلِه وسَلَّم-.
إذًا: قاعدة عامَّة: أنَّك إذا رأيتَ حديثًا طويلًا؛ فيجب أن تتثبتَ منه أكثر مما تتثبتَ من الأحاديث العاديَّة، أو القصيرة، أو المتوسِّطة؛ لأن أكثر ما وَرد مِن ذلك؛ مما لا يَصحُّ، ولا يَثبت عن النبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم-.
حديث: «من بشَّرني بخروجِ صفر بشَّرتُه بالجنَّة»؛ حديث مكذوبٌ، وحديثٌ موضوع، ذكرهُ الإمامُ الشَّوكاني في كتابِه «الفوائد المجموعة»، والعلامة علي القاري في كتابه «الأسرار المرفوعة في الأخبارِ الموضوعة».
وكذلك ورد -في هذه المصادر-: أنَّهم يَنسِبون إلى النبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم- أنَّه قال: «يكونُ في صفرٍ صوتٌ، ثُم تتنازعُ القبائلُ في شهرِ ربيعٍ، ثم العَجَبُ كلُّ العجب بين جمادَى ورجبٍ» وهذا حديثٌ منه العجَب!! فهو حديث -أيضًا- باطلٌ، ما أنزلَ اللهُ به مِن سلطان.
وقد ألَّف الحافظُ ابنُ حجرٍ العسقلاني كتابًا -طُبع قديمًا-، وهو كتاب صغير بعنوان «تبيينُ العجَب فيما ورد في فَضلِ رجب»؛ أيضًا: عامَّة النَّاس تتعلَّق كثيرًا بفضائل موهومة لم تصحَّ ولم تَثبت في فضلِ شهر رجب -على ما ورد عن النبي -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-في أشياء يسيرةٍ من السُّنَّة في فضله-.
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1233