نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1231
وقيل -كذلك-: لأنَّ العربَ في الجاهليَّة كانوا يغزو بعضُهم بعضًا فيجعلون مَن لقَوْهُم مِن الذين غُزُوا يجعلونهم صِفرًا؛ يعني: فارغين؛ ينهبونَهم، ويأخذونهم، وكان ذلك في هذا الشَّهر؛ سُمِّي بذلك.
أيضًا: يكثرُ التَّشاؤُم من شهرِ صفر -للأسفِ الشَّديد-، ولا يزالُ لذلك بقيَّة -وإن كان بصُورةٍ خفيَّة-، والنبي -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- يقولُ: «لا عدوَى، ولا طِيَرةَ، ولا هامَةَ، ولا صفرَ، وفِرَّ مِن المجذومِ فِرارَك مِن الأسَد».
ومُرادُنا من الحديث -وهو في «الصَّحيحَين» - قولهُ -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «لا صفَر»؛ أي: لا اعتقادَ فيه فسادٌ في شهرِ صفر.
«لا صفَر»: هذا نفيٌ للاعتقاداتِ الفاسدة مِن عقائد الجاهليَّة.
ولا نُريد أن نتطرَّق -هذه السَّاعة- إلى شرح الحديث، وما قد يَرِد على الأذهانِ فيه -وإن كُنَّا قد شرحناه مِرارًا، وبخاصَّة قولَ النَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم-: «لا عدوَى، ولا طِيَرةَ»، وبيَّنَّا وجهَ توجيه أهل العلم في ذلك-.
هُنا فتوى لأستاذِنا الشَّيخ محمَّد بن صالح العُثيمين -رحمَهُ اللهُ- يقول:
(و «صَفَر»: فُسِّر بتفاسيرَ)؛ يعني في الحديث: «لا صَفر» (الأوَّل: أنَّه شَهر صَفَر المعروف، والعرب يتشاءَمون منه. والثَّاني: أنَّه داءٌ في البطن يُصيب البعير، وينتقل مِن بعيرٍ إلى آخرَ؛ فيكونُ عطفُه على العدوى من باب عطف الخاصِّ على العام) قال: «لا عدوَى، ولا طِيَرةَ .. ولا صفرَ».
لكن: هذا ليس هو القول الرَّاجح.
القولُ الرَّاجح: أنَّه المُراد به: شهرُ صفرٍ -نفسُه-؛ فقد كانوا -أي العرب- في الجاهليَّة يُؤخِّرون تحريم شهر المحرَّم إلى صَفر! {إنَّما النَّسيءُ زِيادَةٌ في الكُفرِ}؛ النَّسيءُ: التَّأخير؛ لماذا؟ لأن عندهم عقيدة فاسدة في صفر؛ حتى وردَ عن ابنِ عبَّاس -رضِيَ اللهُ عنه- في «صحيح البخاري» و «مسلم» قال: (كانوا -أي: في الجاهليَّة- يَرَون أن العمرةَ في أشهرِ الحج مِن أفجرِ الفُجور في الأرض، ويجعلون المحرَّم صفرًا)! كل ذلك تلاعب! يُغيِّرون ما خلق الله، وما جعله بين النَّاس قواعد عامَّة، وأصولًا هامَّة.
قال: ([وأرجَحُها] أن المُرادَ شهر صَفَر؛ حيثُ [كانوا] يتشاءَمون به في الجاهليَّة).
يقول الشَّيخ ابنُ عثيمين -رحمَهُ اللهُ-تَعالَى-: (والأزمنةُ لا دَخْل لها في التَّأثير، وفي تقدير الله -عزَّ وجَلَّ-؛ فهو كغيرِه) أي: شهر صفر (مِن الأزمنة؛ يُقدَّر فيه الخير والشِّر).
لذلك: ماذا قال النبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين-؟ قال: «لا تَسُبُّوا الدَّهرَ؛ فإن اللهَ هو الدَّهْر» وفي رواية: «فإنِّي أَنا الدَّهر أُقلِّب الليلَ والنَّهارَ كيفما أشاء».
يعني: لو أن أحدًا مِن النَّاس سبَّ الدَّهر، هو لا يسبُّ الدَّهر الذي هو شيءٌ اعتِباري؛ لكنْ: يَسبُّ الوقائعَ التي حصلت في هذا الدَّهر مما آذتْه، أو أثَّرتْ عليه؛ أو مسَّته، أو أصابتْهُ؛ فجعلته يَسبُّ؛ إذًا: وقع سَبُّه على ماذا؟ على ما قدَّره اللهُ عليه -وإن كان سبُّه-في اللَّفظ-للزَّمن، أو للدَّهر-؛ لكنَّ اللهَ هو الذي يُقلِّب الدَّهر، ويقدِّر فيه الخير والشرَّ.
قال: (وبعض النَّاس إذا انتهى مِن عملٍ معيَّن) مثلًا (في اليومِ الخامس والعشرين ... من شهرِ صفر ... ؛ قال: انتهى الخامسِ والعشرين من شهرِ صَفر الخير)، قال: (فهذا من باب مُداواة البدعةِ بالبدعة)؛ يعني: أهلُ الجاهليَّة يقولون: (شهر صفر شَرٌّ)؛ فيأتي [مِن] أهل الإسلام مَن يقول: (شهر صفر الخير).
يقول الشَّيخُ ابن عُثيمين: (فهو ليس شهرَ خيرٍ ولا شرٍّ)؛ هو كباقي الشهور، كباقي الأيام؛ قد يقعُ فيه خير، وقد يقع فيه شرُّ -بحسب التَّقادير الإلهيَّة-؛ أمَّا أن نُعالج الخطأ بخطأ، والبدعةَ بالبدعة؛ فهذا ليس من الهُدى في شيءٍ.
لذلك قال: (ولهذا أنكرَ بعضُ السَّلف على مَن إذا سمع البومةَ تنعِق قال: خيرًا إن شاء الله؛ فلا يُقال خيرٌ، ولا شرٌّ؛ بل هي تنعَق كبقيَّة الطُّيور).
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1231