فمُراعاةً منا لأصلٍ شرعيٍّ ينبغي إحياؤُه، وينبغي استمرارُه، وهو: قولُ النبيِّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم-: «الدِّينُ النَّصيحَةُ»؛ فأحببتُ -ونحنُ-اليومَ-في اليوم الثَّاني من الشَّهر الثَّاني مِن السَّنَة الهجريَّة الجديدة-وهو شهرُ صَفر- أن أُنبِّه على أمورٍ متعلِّقةٍ بهذا الشَّهر الكريم ورِثها كثيرٌ من النَّاس عن الجاهليَّة الأولى، ولم يُقيموا لها قَدْرَها، غيرَ مُراعين لِأصولِ الشَّريعةِ الغرَّاء، وقواعدِها العصماء؛ فوقعوا في كثيرٍ من البِدعِ والمحدَثات بغيرِ درايةٍ ولا انتِباه!
واللهُ -تَبارَك وتَعالَى- وصف الفِئة المؤمنَةَ الناجيةَ من الخُسران المُبين بقولِه -تَبارَك وتَعالَى-: {وَتواصَوا بِالحَقِّ وتَواصَوْا بِالصَّبْرِ}.
فانطِلاقًا مِن هذا الأصل، وصُدورًا عن هذا الأساس: نُذكِّر أنفسَنا، ويُذكِّر بعضُنا بعضًا في قضايا كثيرةٍ قد يُخطئ فيها النَّاسُ -كثيرُهم أو قليلُهم، كبيرُهم أو صغيرُهم- وقد يكونُ هذا الخطأ مِن غيرِ انتِباهٍ، ومِن دون تعمُّدٍ، ولكنَّ التعمُّد لا يعني أن يكونَ البيانُ مقصورًا عليه، فحتَّى عند الخطأ غيرِ المتعمَّد؛ فإن البيانَ واجبٌ.
عندما جاء ذلك الرَّجلُ إلى رسولِ الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم- قائلًا: ما شاء اللهُ وشئتَ -يا رسولَ الله-؛ لم يكنْ جواب النَّبي -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- صمتًا ولا سُكوتًا؛ وإنَّما قال لهُ -باستِفهامٍ إنكاريٍّ صريحٍ وقويٍّ-صَلواتُ ربِّي وسلامُهُ عليهِ- قال: «أجعلتَني للهِ نِدًّا؟ قُلْ: ما شاء اللهُ وحدَهُ». وفي روايةٍ: «ما شاء اللهُ ثمَّ شاءَ محمَّدٌ».
فالخللُ له صورتان:
- صورةُ التعمُّد.
-وصورةُ الخطأ.
وكما يقولُ أهلُ العلم: (المُراد لا يَدفعُ الإيراد)؛ المُراد: أي المقصود. والإيراد: أي الاستِدراك.
فمقصودُك إذا كان حسَنًا؛ فإنَّ هذا المقصودَ الحسَن لا يَنفي أن يُستدرَك عليكَ إذا أخطأتَ الصَّواب -بالقولِ، أو الفِعل-؛ لأن شُروط قَبول أيِّ عمل -مهما كانَ- مِن أعمالِ الإسلامِ التي يتقرَّب بها العباد إلى ربِّنا الملِك العلَّام شرطان:
- الشَّرط الأوَّل: الإخلاصُ لله.
- والشَّرط الثَّاني: الموافقةُ لسُنَّة رسولِ الله -صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّم-.
ونحن في كلِّ مجلسٍ من مجالسِنا -تقريبًا- نبتدئُ بخُطبة الحاجةِ النَّبويَّة، والتي فيها التَّذكيرُ بأهميَّة السُّنَّة وخطرِ البدعةِ -معًا-؛ وذلك: قولُ النبيِّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم-والذي نَذكُره ونُكَرِّره، ونُذكِّر به ونتذاكَرُه-: «أمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ، وَخَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُها، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ»؛ خمسَ مرَّاتٍ للتَّوكيد على هذا الأصل -فضلًا عن تَكرار هذه المرَّات الخمس في كلِّ مقامٍ-مِن خُطبة جمُعة، أو مجلس علم، أو مَقام تعليم، أو غير ذلك-في غالبِ أمرِه-صَلواتُ ربِّي وسلامُه عليه-.
وما أجملَ -أيُّها الإخوةُ- ما قالهُ التَّابعيُّ الجليلُ حسَّان بنُ عطيَّة -رحمَهُ اللهُ-: (ما أحدَثَ قومٌ في دِينِهم بدعةً؛ إلا رفعَ اللهُ مكانَها سُنَّة؛ حتَّى تحيا البِدعُ وتموتَ السُّنن).
فيا لهُ من خطر عظيم يتهاون فيه الكثيرون، ولا يتنبَّه إليه الأكثرون، وهم يَحسبون أنَّهم للخير يصنعون، وهم -في ذلكَ كلِّه- غالِطون مخطِئون.
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1229