نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1228
ومع ذلك: لا زال كثيرٌ مِن النَّاس يتشاءمون مِن شهر صفر، ومِن السَّفر فيه، فلا يُقيمون فيه مناسبة ولا فرحًا، فإذا جاء في نهاية الشَّهر؛ احتفلوا في الأربعاء الأخير احتفالًا كبيرًا! فأقاموا الولائم والأطعمة المخصوصة والحلوى -خارج القُرى والمدن-، وجعلوا يمشون على الأعشاب للشفاء من الأمراض!!
وهذا -لا شكَّ- أنَّه مِن الجهل الموقع في الشِّرك -والعياذُ بالله- ومِن البدع الشِّركية، ويتوقف -بالدَّرجة الأولى- على سلامة العقيدة، فهذه الأمور لا تصدر إلا ممن يشوب اعتقادَه بعضُ الأمور الشِّركيَّة، التي يَجر بعضها بعضًا كالتَّوسُّلات الشِّركية، والتبرُّك بالمخلوقين، والاستغاثة بهم.
أما مَن أنعم الله عليه بسلامة العقيدة، وصحَّتها؛ فإنه -دائمًا- متوكِّل على الله، معتمدٌ عليه، موقنٌ بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبَه، وأنَّ التَّشاؤم والطِّيَرة، واعتقاد النفع أو الضر في غير الله، ونحو ذلك كله مِن الشِّرك الذي هو من أشد الظلم، قال -تَعالى-: {... إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.
والتَّشاؤم مما ينافي تحقيق التوحيد.
وتحقيق التَّوحيد: منه ما يكون واجبًا، ومنه ما يكون مندوبًا.
فالواجب: تخليصُه وتصفيته عن شوائب الشِّرك والبدع والمعاصي، فالشِّرك يُنافيه بالكلية، والبدع تنافي كمالَه الواجب، والمعاصي تَقدح فيه وتنقص ثوابه، فلا يكون العبد محقِّقًا التَّوحيد حتى يَسلم من الشِّرك -بنوعَيه-، ويَسلَم مِن البدع والمعاصي.
والمندوب: تحقيق المقرَّبين؛ وهو انجذاب الرُّوح إلى الله محبةً وخوفًا، وإنابة وتوكلًا، ودعاءً وإخلاصًا وإجلالًا وهَيبة، وتعظيمًا وعبادةً، فلا يكون في قلبه شيء لغير الله، ولا إرادة لما حرَّم الله، ولا كراهة لما أمر الله، وذلك هو حقيقة (لا إله إلا الله).
قال الشَّيخ محمد بن عبد الوهاب في "كتاب التَّوحيد" (باب: مَن حقَّق التوحيد دخل الجنَّة بغير حساب)، وذكر فيه حديث ابن عباس -رضيَ الله عنهُما- عن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قال: " عُرضت عليَّ الأمم، فأخذ النَّبي يَمر معه الأمَّة، والنَّبي يمر معه النَّفر، والنبيُّ يَمُر معه العَشرة، والنَّبي يَمُر معه الخمسة، والنَّبي يَمُرُّ وحدَهُ، فنَظرتُ فإذا سَوادٌ كثير، قُلت: يا جِبريلُ! هَؤلاءِ أمَّتي؟ قال: لا، ولكن انظُرْ إِلى الأُفُق، فنَظَرتُ فإذا سَوادٌ كثير، قال: هؤلاء أمَّتك، وهؤلاء سَبعون ألفًا قدَّامهم لا حِسابَ عليهم ولا عَذابَ، قُلتُ: ولِمَ؟ قال: كانُوا لا يَكتَوُون [3]، ولا يَستَرْقُون [4]، ولا يتطيِّرون، وعلى ربِّهم يتوكَّلون ... " الحديث.
فذَكَر الرسول -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- من صفات الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب: الذين لا يتطيَّرون، وعلى ربهم يتوكَّلون، والتَّوكل على الله هو الأصل الجامع الذي تفرَّعت عنه هذه الأفعال.
فخلاصة الكلام: أن التَّشاؤم بصفر وغيره من الأزمنة ونحو ذلك؛ مِن البدع الشِّركية، التي يجب تركُها والابتعاد عنها؛ لما ورد في ذلك مِن التَّرغيب والتَّرهيب. والله أعلم.
(1) قال في الحاشية: (وهل يتقرَّب إلى الله بهذه الألفاظِ والتَّوسُّلات الشِّركيَّة؟!! وإنما هذا دليلٌ واضحٌ على بِدعيَّة وضلالة هذه الأدعية التي هي مِن وضعِ بعضِ الجُهال من الصُّوفيَّة وأضرابِهم) اهـ.
(2) كذا، ولعلها: شؤم. [3] أي: لا يسألون غيرَهم أن يكويَهم بالنَّار؛ استسلامًا للقضاء، وتلذذًا بالبلاء، مع أن الكي -في نفسِه- جائز. يُراجع: حاشية ابن القاسم على كتاب التوحيد، (ص45، 86). [4] أي: لا يَطلبون مَن يرقيهم؛ استسلامًا للقضاء، وتلذذًا بالبلاء. والرُّقية: قراءة القرآن على المريض ونحوه. يُراجع: حاشية ابن القاسم على كتاب التوحيد، (ص45، 86).
ـ[صالح العَمْري]ــــــــ[09 - 01 - 2011, 10:54 م]ـ
جهد طيب، جزاك الله خير الجزاء، وجعله في موازين حسناتك.
ـ[أم محمد]ــــــــ[10 - 01 - 2011, 12:39 ص]ـ
وهذه محاضرة قيِّمة جدًّا:
«شَهر صَفَر»
محاضَرةٌ (مفرَّغة)
لفضيلة الشَّيخ
عليِّ بن حسَن الحلبيِّ
-حفِظهُ اللهُ-
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1228