نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1227
وقد يجعل الله -سُبحانه وتَعالى- تَطيُّر العبد وتشاؤمه سببًا لِحلول المكروه، كما يجعل الثِّقة به والتوكُّلَ عليه وإفرادَه بِالخوف والرَّجاء مِن أعظم الأسباب التي يدفع بها الشَّر المُتطيَّر به، وسِرُّ هذا: أن الطِّيَرة إنما تتضمَّن الشِّرك بالله -تَعالى-، والخوفَ مِن غيره، وعدم التَّوكُّل عليه والثِّقة به؛ فكان صاحبها غَرضًا لسِهام الشَّرِّ والبلاء؛ فيتسرَّع نفوذها؛ لأنّه لم يتدرَّع بالتوحيد والتَّوكل، والنَّفس لا بد أن تتطيَّر، ولكنَّ المؤمن القوي الإيمان يَدفع موجب تطيُّرِه بالتَّوكل على الله؛ فإنَّ مَن توكَّل على الله وحده كفاه من غيره، قال -تَعالى-: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ *إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ}.
قال ابن قيِّم الجوزية: (فإخبارُه -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- بالشُّؤم أنَّه يكون في هذه الثَّلاثة، ليس فيه إثباتُ الطِّيرة التي نفاها؛ وإنما غايته أن الله -سُبحانه-، قد يخلق منها أعيانًا [مشؤومة] على مَن قاربَها وسكنها وأعيانًا مُباركة لا يَلحق مَن قاربها منها شُؤم ولا شرٌّ، وهذا كما يعطي -سُبحانَه- الوالدَين ولدًا مباركًا يَرَيان الخير على وجهه، ويُعطي غيرَهما ولدًا، فكذلك الدَّار والمرأة والفرس. والله -سُبحانه- خالق الخير والشَّر، والسُّعود والنُّحوس، فيخلُق بعض هذه الأعيانَ سُعودًا مُباركةً، ويقضي سعادةَ من قارنَها، وحصول اليُمن له والبركة، ويَخلق بعض ذلك نحوسًا يتنحس بها مَن قارنها، وكل ذلك بِقضائه وقدَره، كما خلَق سائرَ الأسباب، وربطها بِمُسبباتها المتضادَّة والمختلفة، فكما خلق المسك وغيره مِن حامل الأرواح الطيِّبة، ولذَّذ بها مَن قارنها من الناس، وخلق ضدَّها وجعلها سببًا لإيذاء مَن قارنها مِن النَّاس، والفرق بين هذين النَّوعَين يُدرَك بالحس، فكذلك في الدِّيار والنِّساء والخيل. فهذا لون، والطِّيَرة الشِّركيَّة لون آخر).
ولهذا يُشرع لمن استفاد زوجة، أو أمَة، أو دابَّة: أن يسأل الله -تَعالَى- مِن خيرها، وخير ما جُبِلت عليه، ويستعيذ به من شرِّها وشرِّ ما جبلت عليه -كما ورد ذلك عن النبي-صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، وكذلك ينبغي لمن سكن دارًا أن يفعل ذلك، وقد أمر -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قومًا سكنوا دارًا فقلَّ عددُهم، وقلَّ مالُهم أن يَتركوها ذميمة.
فتَرْك ما لا يجد الإنسان فيه بركة -مِن دارٍ، أو زوجة، أو دابَّة- منهي عنه، وكذلك مَن اتّجر في شيء فلم يربح فيه؛ لقوله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: " إِذا كان لأحَدِكُم رِزقٌ في شَيء فَلا يَدَعْه حتَّى يَتغَيَّر له أو يتنَكَّر له ".
فالتَّطيُّر والتَّشاؤم بوقت، أو شخص، أو دار، أو غير ذلك؛ مِن الشِّرك -كما ثبت ذلك عن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-في الأحاديث السابق ذكرها-.
والتَّشاؤم مِن الاعتقادات الجاهليَّة التي انتشرت -وللأسف الشَّديد- بين كثير من جهال المسلمين، نتيجة جهلهم بالدِّين -عمومًا-، وضعف عقيدة التَّوحيد فيهم -خصوصًا-، وسبب ذلك: الجهل، ونقص التَّوحيد، وضعف الإيمان، [و] عدم انتشار الوَعي الصَّحيح فيهم، ومُخالطة أهل البِدع والضَّلال، وقلة مَن يُرشدهم ويُبيِّن لهم الطَّريق المستقيم، وما يجب اعتقادُه، وما لا يجوز اعتقاده، وما هو شِرك أكبر يُخرج المسلم عن الملة الإسلامية، وما هو شِرك أصغر، وما هو ذريعة إلى الشِّرك ينافي كمال التَّوحيد ويوصل الفاعل -في النِّهاية- إلى الشِّرك الأكبر الذي لا يَغفر اللهُ لصاحبه إن مات ولم يَتُب، ويكون مخلَّدًا في النار، وتحبط جميع أعماله الصالحة، كما قال -تَعالى-: {... إنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}. وقال الله -تَعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}.
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1227