نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1226
(بعد البسملة ... اللهم يا شديد القوة، ويا شديد المحال، يا عزيز، يا من ذلت لعِزتك جميع خلقك، اكفني مِن شر خلقك، يا محسن يا مجمل يا متفضل يا منعم يا متكرم، يا من لا إله إلا أنت، ارحمني برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم بسر الحسن وأخيه وجده وأبيه وأمه وبنيه، اكفني شر هذا اليوم وما ينزل فيه يا كافي المهمات ويا دافع البليات، فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين)! (1)
وكذلك ما يفعله بعضُ الناس في اجتِماعهم في آخر أربعاء من شهر صفر بين العشاءين في بعض المساجد، ويتحلَّقون إلى كاتب يَرقُم لهم على أوراقٍ آياتِ السَّلام السَّبعة على الأنبياء؛ كقوله -تَعالى-: {سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ}، ثم يَضعونها في الأواني، ويَشربون مِن مائها، ويَعتقدون أن سرَّ كتابتها في هذا الوقت، ثم يتهادونها إلى البيوت.
ونظير هذا: تشاؤم بعض النَّاس في بعض الأقطار الإسلاميَّة مِن عيادة المريض يوم الأربعاء وتطيُّرهم منه.
ولا شكَّ أنَّ التَّشاؤم بصفر أو بيومٍ مِن أيَّامه هو مِن جنس الطِّيرة المنهي عنها: فقد قال -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: " لا عَدْوَى، ولا طِيَرَة، ولا هامَةَ، ولا صَفَر ".
وقال -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- " لا عَدْوَى، ولا طِيَرَة، ويُعجِبُني الفَأْل "، قالوا: وما الفأل؟ قال: " كَلمةٌ طيِّبة ".
وقال -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-: " الطِّيَرةُ شِركٌ، الطِّيَرةُ شِركٌ ".
وقال -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: " مَن ردَّتهُ الطِّيَرةُ عن حاجتِه؛ فقد أشْرَكَ "، قالوا: فما كفَّارة ذلك؟ قال: " أن تقولَ: اللهمَّ لا خَيرَ إلا خَيرُك، ولا طَيرَ إلا طَيرُكَ، ولا إلهَ غَيرُك ". . إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة في النَّهي عن الطِّيَرة.
وتخصيص الشُّؤم بزمان دون زمان -كشهر صفر وغيره- غير صحيح؛ لأنَّ الزَّمان -كلَّه- خلق الله -تَعالى-، وفيه تقع أفعال بني آدم، فكلُّ زمان شغله المؤمن بطاعة الله؛ فهو زمان مُبارك عليه، وكل زمان شغله العبد بمعصية اللهِ؛ فهو مشؤم (2) عليه.
فالشُّؤم -في الحقيقة- هو معصية الله -تَعالى-، واقتراف الذُّنوب، فإنَّها تُسخط الله -عزَّ وجلَّ-، فإذا سخط على عبدِه؛ شَقي في الدُّنيا والآخرة، كما أنه إذا رضي عن عبده؛ سعد في الدُّنيا والآخرة.
فالعاصي مشؤم (2) على نفسِه، وعلى غيره؛ فإنه لا يؤمن أن يَنزل عليه عذاب فيَعمَّ النَّاس، خصوصًا مَن لم يُنكر عليه عمله، فالبُعد عنه مُتعيِّن.
أما قوله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-:" لا عَدْوَى، ولا طِيَرَة، والشُّؤمُ في ثلاثٍ: المرأةِ، والدَّار، والدَّابَّة ".
فقد اختلف العلماء فيه:
أ - فرُوِي عن عائشة -رضيَ الله عنهُا- أنها أنكرت هذا الحديثَ أن يكون من كلام النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، وقالت: (إنَّما قال: " كان أهل الجاهليَّة يقولون: الطِّيَرة في المرأةِ والدَّار والدَّابة "، ثم قرأت عائشة: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}).
وقال معمر: سمعت مَن يُفسر هذا الحديث يقول: (شُؤم المرأة: إذا كانت غيرَ وَلود، وشُؤم الفَرَس: إذا لم يغز عليه في سبيل الله، وشُؤم الدَّار: جارُ السوء).
ب - ومنهم من قال: قد روي عن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- أنه قال:" لا شُؤمَ، وقد يكونُ اليُمنُ في الدَّار والمرأةِ والفَرَس ".
والتَّحقيق: أن يُقال -في إثبات الشُّؤم في هذه الثَّلاث- ما ورد في النَّهي عن إيراد المريض على الصَّحيح والفرار مِن المجذوم ومِن أرض الطاعون: أن هذه الثلاث أسباب يقدِّر اللهُ -تَعالى- بها الشُّؤم واليُمن ويقرنه.
والشُّؤم بهذه الثَّلاثة إنما يَلحق مَن تشاءم بها؛ فسيكون شُؤمُها عليه، ومَن توكَّل على الله ولم يتشاءم ولم يتطيَّر؛ لم تكنْ مشؤومةً عليه، ويدلُّ على ذلك حديث أنس -رضيَ الله عنهُ-: " الطِّيَرةُ على مَن تَطَيَّر ".
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1226