1 ـ هل تريد المبادئ السامية التي تسمو بك وترفعك؟ أم المطامع السافلة التي تسفل بصاحبها وتخفضه؟
فإمَّا أنْ تدوسَ المطامعَ، وإلا داستْكَ المطامعُ!
وشتان بين مَنْ يدوس المطامعَ فلا يبالي بها ولا يلهث وراءها، وبين مَنْ تدوسه المطامعُ وتذله وتفسده ..
واعلم أنك لن تموت حتى تتنفسَ آخر نفَس كتبه اللهُ لك، وحتى تأخذَ آخرَ رزقٍ كتبه لك، فما كان لكَ لنْ يأخذَه غيرُك، وما كانَ لغيرك لن تحصلَ عليه، فليس لديك ما تخسره ..
فكن رجلاً لا تُحرِّكُهُ إلا مبادؤه السامية، ولا تُنْهِضُهُ إلا أهدافُه العالية ..
2ـ كم هو مسكين ذلك الذي تغره القوة المادية، فيسعى جهده لإرضاء الطواغيت، والعجيب أنه عندما يرى أمامه زوال طاغية وكيف أصبح ذليلاً مهاناً، لا يأخذ العبرة من ذلك، وإنما يبحث عن طاغية آخر فيكون عبداً له ..
وكأنه لا يعلم أنَّ أجلَهُ ورزقَهُ ونفعَهُ وضرَّهُ وكلَّ أمرِهِ هو إلى الله تعالى وحده، فلو أيقن بذلك لما حرص على إرضاء الطواغيت ولما أسخط ربَّه بذلك ..
إنَّ النفاقَ والمداهنةَ والركونَ إلى الظالمين، كل ذلك لن يؤخر في الأجل ولن يزيد في الرزق، والوقوف مع الحق والدفاع عنه لن يقدم في الأجل ولن ينقص من الرزق، قال عليه الصلاة والسلام: (وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَو اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَو اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ). رواه الترمذي.
إنَّ وجودَ مَنْ يعادي الحقَّ وأهلَه هو ابتلاءٌ من الله تعالى حتى يتبين الذين صدقوا ويتبين الكاذبون ويتميز كلُّ فريقٍ عن الآخر، قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) ..
وكلما عَظُمَ قَدْرُ اللهِ في نفسك، صَغُرَ المخلوقون في عينك، قال سبحانه: (أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
إنَّ المؤمنَ الصادقَ ليس هناك ثمن دنيوي مهما كَثُرَ يمكن أن يُشترَى به، فصفقته هي مع الله وحده وليس مع المخلوقين: (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ ..)، وما تم شراؤه لا يمكن بيعه، وكيف يبيع الإنسان ما لا يملكه!
3ـ إنَّ الأحرارَ يقفون مع الحق، والحق قوته في ذاته، أما العبيد فيقفون مع أصحاب القوة المادية .. ولا بد لقوة الحق أن تَظهر وتنتصر، ولا بد للقوة المادية المعادية للحق أنْ تُهزَمَ وتَندثر ..
لا أدري بأي وجه يستطيع أن يعيش هؤلاء الذين يقفون مع الطاغية ويدافعون عنه بكل ما يستطيعون، ثم إذا سقط ملكه وزالت قوته أصبحوا يذمونه ويسبونه، ويبحثون عمَّن آلت إليه القوة فيقدسونه ويمدحونه بعد أن كانوا يذمونه، وهكذا يوصلون مسيرتهم في النفاق لكل من له سُلْطة ..
إن الصادق مواقفه واضحة، لا رَوَغان فيها ولا تذبذب، فلا تجده متلوناً مع ما يوافق مطامعه وهواه.
فمِنَ أكبر الأوهامِ التي يضل بها بعض الناس: وهمُ القُوَّةِ المادِّيَّةِ البعيدة عن منهج اللهِ تعالى وطاعته، قال سبحانه عن فرعونَ وقومِهِ: (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ. فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ).
فقد استكبروا على عبادِ الله، وسامُوهُم سوءَ العذابِ، واستكبروا على رُسُلِ الله، وما جاؤوهم بِهِ من الآياتِ، فكذَّبُوها، وزَعَمُوا أنَّ ما هم عليه أعلى منها وأفضلُ. فكانتْ عاقبتُهُم ما ذَكَرَهُ اللهُ عنهم: (فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ).
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 122