نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 123
فاليمُّ الذي ألقي في مثلِهِ موسى http://vb.tafsir.net/images/smilies/slm.png وهو طفلٌ رضيعٌ، فكان مأمناً وملجأ له. هو ذاتُهُ الذي يُنْبَذُ فيه فرعونُ الجبارُ وجنودُه فإذا هو مخافةٌ ومَهْلَكَةٌ. فالأمنُ إنما يكونُ في القُرْبِ من الله، والمخافةُ في البعدِ عنه سبحانه.
4ـ هذا الذي يريد العزة بغير الله، ألم يقرأ قول الله تعالى: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزاً. كَلا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِداً).
وكم هي الحالات التي يشهدها التاريخ والواقع ممن عبدوا الطواغيت، ثم لم يكن من الطواغيت إلا أن تخلوا عنهم وحاربوهم بل وقتلوهم، فخسروا الدنيا والآخرة ..
إنَّ العزَّ والأمانَ هو في اتباع الحق والوقوف معه، وإنَّ الذلَّ والهوانَ في الركون إلى الباطل والاستجابة إليه وإرضاء الطواغيت ..
وشتان بين عَالِمٍ صادق يقود الأمة بصدقه وعلمه، وبين من يقوده هواه ويأسره شيطانه ..
5ـ إنَّ الآلامَ والصعوباتِ موجودةٌ في طريق الحقِّ وفي طريقِ الباطلِ، وفي الخير والشر، لكنْ شتَّان بين آلامٍ في طريقِ الحقِّ تمضي وتزولُ وكأنها لم تكنْ، ثم يَعْقُبُهَا النعيمُ والسرورُ الدائمُ، وبينَ الآلامِ في طريقِ الباطلِ التي لا تَذْهَبُ حَسْرَتُهَا ونَدَامَتُهَا، ثم لا تنقضي إلا ويتبَعُهَا ما هو أسوأُ منها وأشدُّ!
قال تعالى: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)، وقال سبحانه: (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لَا يَرْجُونَ)، فذكَرَ اللهُ أمرين مما يصبِّر المؤمنين ويثبِّتُهُم على الحق: فالأمرُ الأولُ: أن ما يُصيبُكُم مِنْ الآلامِ والصعوبات هو مما يصيبُ أعداءَكُمْ أيضاً، فكيف تكونونَ أضعفَ منهم، وأنتمُ وإيَّاهُمْ قَدْ تَسَاويتُمْ في ذلك، فلا يَضْعُفُ إلا من توالتْ عليه الآلامُ، وانتصرَ عليه الأعداءُ على الدوام.
والأمرُ الثاني: أنَّكُمْ ترجونَ مِنَ اللهِ ما لا يرجونَ، فترجونَ الفوزَ بثوابِهِ والنجاةَ من عقابِهِ، وتريدون إقامةَ شرعِه، وهدايةَ الضالين. فالذي يكونُ مع الحقِّ ينبغي له أنْ يكونَ أكثرَ صبراً وجلداً على تحقيقِ أهدافِهِ وغاياتِهِ لأنَّه يرجو ثوابَ اللهِ، ولأنَّ العاقبةَ للمتقين ..
6ـ الحقيقةُ قد يعاديها الناسُ ويُنْكِرُونَهَا، والوَهْمُ قد يدافعونَ عنه ويحاولونَ إثباتَهُ، لكنَّ الحقيقةَ ستَظْهَرُ وتُشْرِقُ كالشَّمْسِ مهما عاداها الناسُ ووقفوا في وجهها، والوَهْمُ سيَظْهَرُ زَيْفُهُ وبُطْلانُهُ مهما روَّجُوا له ودَافَعُوا عنه، وسيُدْرِكُونَ حينَهَا أنَّهُ كسَرَابٍ يَحْسَبُهُ الظمآنُ ماءً حتى إذا جاءَهُ لم يجدْهُ شيئاً. فكنْ من أنصارِ الحقيقة تَكُنِ العاقبةُ لك، ولا تدافعْ عَنِ الوَهْمِ فيؤدِي بك ذلك إلى الندامةِ والخُسْرَانِ.
ومن أعظم الحقائق: عبادةُ اللهِ وحدَهُ والخضوعُ له وحده، ومِنْ أكبرِ الأوهام: عبادةُ غيرِ اللهِ والخضوعُ للمخلوقينَ والدفاعُ عن المجرمين ..
7ـ الحقيقةُ قَدْ تُعَاني من قِلَّةِ أتباعِهَا، والوهمُ قد يُغْرِي مَنْ حولَهُ بكَثْرَةِ أتباعِه، فلا تجعلْ قلةَ أتباعِ الحقيقةِ عائقاً عن اتباعها، ولا كثرةَ أنصارِ الوهمِ مبرراً لاتِّباعه. فقد تكونُ القِلَّةُ ذهباً خالصاً أو جوهراً نادراً أو عسلاً صافياً، وقد تكون الكَثْرةُ غثاءً لا خيرَ فيه ولا قيمةَ له، أو زَبَداً يعلو وينتفش ثم يَضْمَحِلُّ ويتلاشى ولا يَنتفع به أحدٌ ..
فالمسلمون حين انتصروا لم ينتصروا بكَثْرَةِ عَدَدِهِم وعَتَادِهِم، وإنما بإخلاصِهِم لله تعالى واجتماعِهِمْ على الحقِّ ويَقِينِهِم بنصرِ الله ..
8ـ بين الله سبحانه أن الإخلاد إلى الأرض واتباع الهوى هو سبب الغواية والضلال بعد الهدى، قال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها، فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ. وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ).
9ـ لأن تكون عامياً تدافع عن الحق، خير من أن تكون عالماً يُبَرِّرُ للباطل ويقف معه، فالعبرة ليست بكثرة العلم، وإنما بالثمرة التي يثمرها هذا العلم ..
ولو كان الفضل للعلم وحده لكان إبليس خيراً من الكثير ممن لم يبلغ علمه.
10ـ الحقيقةُ قد تكون مُرَّة، والوهمُ قد يكون حُلْواً، فلا تكن ممن يفضِّلُ الوهمَ لحلاوته، ويتركُ الحقيقةَ لمرارتها؛ فحلاوةُ الوهمِ يَتْبَعُهَا مرارةُ الطعم، ومرارةُ الحقيقة يَتْبَعُهَا حلاوةُ الطريقة.
لماذا قد تكونُ الحقيقةُ مُرَّةً؟ لأنَّ الحقيقةَ قد تخالفُ رغبةَ الإنسانِ وما يُريدُ فعلَهُ، ولأنَّ الحقيقةَ قد تُحَطِّمُ آمالَ الإنسانِ التي يؤمِّلها، ولأنَّ الناسَ قد يعادُونَهُ من أجلِ الحقيقة، ولأنَّ الحقيقةَ قد تحتاجُ إلى صبرٍ عظيمٍ وتضحياتٍ كبيرة، ولكنَّ الله لا يُضِيعُ أجرَ مَنْ أحسنَ عملاً، فمن وقف في طريق الحقِّ وسَلَكَ سبيلَهُ وفَّقَهُ اللهُ في الدنيا والآخرة وأيَّدَهُ بنَصْرِهِ وجعلَ العاقبةَ له.
وصلَّى اللهُ على سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً والحمدُ للهِ ربِّ العَالمين.
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 123