نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1167
ليس غريبا أبدا أن يَهِمّ معاذ بن جبل - رضي الله عنه - بالسجود للنبي - صلى الله عليه وسلم - كإظهار لتبجيلِهِ واحترامِهِ وتعظيمِهِ، لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي كان قرر في عقولهم وطبعهم على ذلك يريد أن يثبت عمليا بأنه بشر، وأن هذا السجود لا يصلح إلا لرب البشر، ويقول: (لو كنت آمراً أحداً أن يَسْجُدَ لأحدٍ لأمرْتُ الزوجة أن تسجُدَ لزوجها لعظم حقه عليها).
في بعض روايات الحديث (ولكن لا يصلح السجود إلا لله عز وجل). إذاً، نحن لو استسلمنا لعواطِفنا لسَجَدنا لنبينا - صلى الله عليه وسلم - سواءً كان حياً أو ميتاً، لماذا؟ تعظيماً له، لأن القصْدَ تعظيمُهُ، وليس القصد عبادَتُهُ - عليه السلام - ولكن إذا كنا صادقين في حُبّهِ - عليه الصلاة والسلام - فيجب أن نأتمر بأمره، وأن ننتهي بنهيه، وألا نضربَ بالأمر والنهي عرض الحائط، بزعم أنهُ نحن نفعل ذلك حباً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف هذا؟.
هذا أولاً عكسٌ للنص القرآني ثم عكسٌ للمنطقِ العقليّ السليم ربنا - عز وجل - يقول: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [سورة آل عمران: 31] ..
فإذاً اتباع الرسول - عليه السلام - هو الدليل الحق الصادق الذي لا دليل سواه على أن هذا المتبع للرسولِ - عليه السلام - هو المحبّ لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ومن هنا قال الشاعر قوله المشهور:
تعصى الإله وأنت تظهر حبه ... هذا لعمرك في القياس بديع
لو كان حبك صادقاً لاطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع
هناك مثالٌ دون هذا ومع ذلك فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربّى أصحابه عليه، ذلك أن الناس في الجاهلية كانوا يعيشون على عاداتٍ جاهلية وزيادةٍ أخرى عاداتٍ فارسيةٍ أعجمية، ومن ذلك أنه يقوم بعضُهُم لبعضٍ كما نحن نفعل اليوم تماماً، لأننا لا نتبع الرسول - عليه السلام-، ولا نصدّق أنفسنا بأعمالنا أننا نحبه - عليه الصلاة والسلام - وإنما بأقوالنا فقط، ذلك أن الناس كان يقوم بعضهم لبعض.
أما الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد كان أصحابُهُ معه كما لو كان فرداً منهم لا أحَدٌ يُظهر له من ذلك التبجيل الوثني الفارسي الأعجمي شيئاً إطلاقاً، وهذا نفهمهُ صراحةً من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: (ما كان شخص أحب إليهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانوا لا يقومون، لما يعلمونَ من كراهيته لذلك).
أنظروا، هذا الصحابي الجليل الذي تفضل الله عليه فأوْلاه خدمة نبيه - صلى الله عليه وسلم - عشرة سنين، أنس بن مالك كيف يجمع في هذا الحديث بين الحقيقة الواقعة بينه - عليه السلام - وبين أصحابه من حبهم إياه، وبين هذا الذي يدندنُ حوله أن هذا الحبّ يجب أن يُقيّدَ بالإتباع، وأن لا ينصاعَ، وأن لا يخضعَ صاحِبُهُ من هوى، وَحُبّكَ الشيء يعمي ويصم، فهو يقول حقاً.
ما كان شخص أحبّ إليهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه حقيقةٌ لا جدال فيها، لكنه يعطِفُ على ذلك فيقول: وكانوا لا يقومون لما يعلمون من كراهيته لذلك، إذاً لماذا كان أصحاب الرسول - عليه السلام - لا يقومون له؟ إتباعاً له تحقيقاً للآية السابقة {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}.
فاتباع الرسول هو دليل حبّ الله حباً صحيحاً ما استسلموا لعواطفهم كما وقع من الخلف الطال، نحن نقرأ في بعض الرسائل التي ألفَتْ حول هذا المولد الذي نحن في صدد بيان أنه محدث، جرت مناقشاتٌ كثيرةٌ مع الأسف، والأمر كالصّبحِ أبْلَجٍ واضِحٍ جداً، فناس ألفوا في بيان ما نحن في صدده أن هذا ليس من عمل السلف الصالح، وليس عبادة وليس طاعة، وناس تحمسوا واستسلموا لعواطفهم، وأخذوا يتكلمون كلاماً لا يقوله إلا إنسان ممكن أن يقال في مثله: إن الله - عز وجل - إذا أخذ ما وهب أسقط ما أوجب. لماذا؟.
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1167