نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1166
يعني نقول أن الاحتفال في أصله لو كان ليس فيه مخالفة سوى أنه مُحْدَثٌ لَكَفى وُجوباً الابتعادُ عنه للأمرين السابقين: لأنه محدث، ولأنه تشريع، والله - عز رجل - لا يرضى من إنسانٍ أن يُشرّعَ للخلق ما يشاء فكيف وقد انضم إلى المولد على مرّ السنين أشياء وأشياء مما ذكرنا، ومما يطول الحديث فيما لو استعرضنا الكلام على ذلك، فحسب المسلم إذاً التذكير هنا والنصيحة:
أن يعلم أن أي شئٍ لم يكن في عهد الرسول - عليه السلام - وفي عهد السلف الصالح، فمهما زَخرَفَهُ الناس، ومهما زينوه، ومهما قالوا هذا في حبّ الرسول وأكثرهم كاذبون، فلا يحبون الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا باللفظ، وإلاّ بالغناء والتطريب، ونحو ذلك مهما زخرفوا هذه البدع، فعلينا نحن أن نظل مُتمَسّكين بما عليه سلفنا الصالح - رضي الله عنهم – أجمعين.
وتذكروا معنا بأن من طبيعة الإنسان المغالاة في تقدير الشخص الذي يحبه، لاسيما إذا كان هذا الشخص لا مثل له في الدنيا كلها، ألا وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمن طبيعة الناس الغلو في تعظيم هذا الإنسان، إلا الناس الذين يأتمرون بأوامر الله - عز وجل - ولا يَعتَدون، فهم يتذكرونَ دائماً وأبداً مثل قوله - تبارك وتعالى -: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [سورة الطلاق: 1]. فإذا كان الله - عز وجل - قد اتخذ محمدا - صلى الله عليه وسلم - نبيا فهو قبل ذلك جعله بَشراً سوياً لم يَجْعَلهُ مَلَكَاً خُلِقَ من نور مثلاً كما يزعمون.
وإنما هو بشر، وهو نفسه تأكيداً للقرآن الكريم: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} [سورة الكهف 110]. هو نفسه أكد ذلك في غير ما مناسبة فقال: (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني). وقال لهم مرة: (لا ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله فيها، وإنما ضعوني حيث وَضَعَني ربي - عز وجل - عبداً رسولاً).
لذلك في الحديث الصحيح في البخاري ومسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله) هذا الحديث تفسير للحديث السابق (لا ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله بها) فهو يقول لا تمدحوني كما فعلت النصارى في عيسى بن مريم، كأن قائلاً يقول: كيف نقول يا رسول الله؟ كيف نمدحك؟ قال: (إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله) ونحن حينما نقول في رسولنا - صلى الله عليه وسلم - عبدُ الله ورسولُه، فقد رفعناهُ ووضعناهُ في المرتبة التي وَضَعَهُ الله - عز وجل – فيها، لن ننزل به عنها، ولم نصعد به فوقها، هذا الذي يريدُهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم – منا.
ثم نجد النبي - صلوات الله وسلامه عليه - يطبّق هذه القواعد، ويجعلها حياةً يمشي عليها أصحابه رضوان الله عليهم معه، فقد ذكرت لكم غير ما مرة قصة معاذ بن جبل - رضي الله عنه - حينما جاء إلى الشام وهي يومئذ من بلاد الروم، بلاد النصارى، يعبدون القسيسين والرهبان، بقى في الشام ما بقى لتجارةٍ فيما يبدو، ولمّا عادَ إلى المدينة، فكان لمّا وقع بَصَرُهُ على النبي - صلى الله عليه وسلم - هَمّ ليَسْجُدَ لمن؟ لِسَيّدِ الناس فقال له - عليه الصلاة والسلام -: (مَهْ يا مُعاذ - شو هذا - قال يا رسول الله إني أتيت الشام فرأيت النصارى يسجدون لقسّيسيهم وَعُظَمائِهم فرأيتكَ أنتَ أحَقّ بالسّجودِ منهم، فقال - عليه الصلاة والسلام: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها، لعظم حقه عليها).
وهذا الحديث جاء في مناسبات كثيرة لا أريد أن أستطرد إليها، وحسبنا هنا أن نلفت النظر إلى ما أراد معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أن يفعلَ من السجود للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما الذي دفعه على هذا السجود؟ هل هو بغضه للرسول عليه السلام؟ بطبيعة الحال لا، إنما هو العكس تماماً، هو حبه للنبي - صلى الله عليه وسلم - الذي أنقذه من النار، لولا، هنا يقال الواسطة لا تنكر، لولا الرسول - عليه السلام -أرسله الله إلى الناس هداية لجميع العالم، لكان الناس اليوم يعيشون في الجاهلية السابقة وأضعاف مضاعفة عليها، فلذلك ليس غريبا أبداً لاسيما والتشريع بعد لم يكن قد كَمُلَ وَتَمّ.
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1166