نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1163
هذه البدع التي اتخذها النصارى، ومنها الاحتفال بميلاد عيسى ما شرعها الله - عز وجل - وإنما هم ابتدعوها من عند أنفسهم، فلذلك إذا كان عيسى لم يحتفل بميلاده ومحمد - صلى الله عليه وسلم - أيضا كذلك لم يحتفل بميلاده والله - عز وجلّ - يقول {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [سورة الأنعام 90].
فهذا من جملة الإقتداء، نبينا بعيسى - عليه الصلاة والسلام - وهو نبينا أيضا، ولكن نبوته نسخت ورفعت بنبوة خاتم الأنبياء والرسل - صلوات الله وسلامه عليهما -، ولذلك فعيسى حينما ينزل في آخر الزمان كما جاء في الأحاديث الصحيحة المتواترة إنما يحكم بشريعة محمد - صلى الله عليه وسلم -.
فإذاً محمد - صلى الله عليه وسلم - لم يحتفل بميلاده، وهنا يقول بعض المبتلين بالاحتفال غير المشروع الذي نحن في صدد الكلام عليه، يقولون: "محمد - صلى الله عليه وسلم - ما راح يُحتفل بولادته؟ ". طيب سنقول لم يحتفل بولادته - عليه السلام - بعد وفاته أحب الخلق من الرجال إليه، وأحب الخلق من النساء إليه، ذالكما أبو بكر وابنته عائشة - رضي الله عنهما - ما احتفلا بولادة الرسول - صلى الله عليه وسلم - كذلك الصحابة جميعا، كذلك التابعون، كذلك أتباعهم.
وهكذا إذا لا يصح لإنسان يخشى الله ويقف عند حدود الله ويتعظ بقول الله - عز وجل -، {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [سورة الإسراء: 36].
فلا يقولنّ أحد الناس الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما احتفل لأنه هذا يتعلق بشخصه، لأنه يأتي بالجواب، لا أحد من أصحابه جميعا احتفل به - عليه السلام - فمن الذي أحدث هذا الاحتفال من بعد هؤلاء الرجال الذين هم أفضل الرجال، ولا أفضل من بعدهم أبدا ولن تلد النساء أمثالهم إطلاقا.
من هؤلاء الذين يستطيعون بعدَ مضي هذه السنين الطويلة ثلاثمائة سنة يَمضونَ لا يحتفلونَ هذا الاحتفال أو ذاك، وإنما احتفالهم من النوع الذي سأشير إليه إشارة سريعة كما فعلت آنفا، فهذا يكفي المسلم أن يعرف أن القضية ليست قضية عاطفة جانحة لا تعرف الحدود المشروعة، وإنما هو الاتباع والاستسلام لحكم الله - عز وجل - ومن ذلك: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سورة آل عمران: 31].
فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما احتفل، إذا نحن لا نحتفل، إن قالوا ما احتفل لشخصه، نقول ما احتفل أصحابه أيضا بشخصه من بعده فأين تذهبون؟.
كل الطرق مسدودة أمام الحجة البينة الواضحة التي لا تفسح مجالاً مطلقا للقول بِحُسْنِ هذه البدعة، وإن مما يبشر بالخير، أن بعض الخطباء والوعاظ بدأوا يضطرّون ليعترفوا بهذه الحقيقة وهي: أن الاحتفال هذا بالمولد بدعة وليس من السنة، ولكن يعوزهم ويحتاجون إلى شئ من الشجاعة العلمية التي تتطلب الوقوف أمام عواطف الناس الذين عاشوا هذه القرون الطويلة وهم يحتفلون، فهؤلاء كأنهم يجبنون أو يضعفون أن يصدَعوا بالحق الذي اقتنعوا به، ولذلك لا تجد يَروق، ولا أريد أن أقول: يُسَدّد ويُقارب فيقول: صحيح أن هذا الاحتفال ليس من السنة، ما احتفل الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا الصحابة، ولا السلف الصالح، ولكن الناس اعتادوا أن يحتفلوا، ويبدو أن الخلاف فقري، هكذا يُبرر القضية، ويقول: الخلاف شكلي، لكن الحقيقة أنهم انتبهوا أخيرا إلى أن هذا المولد خَرَجَ عن موضوع الاحتفال بولادة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في كثير من الأحيان حيث يتطرق الخطباء أموراً ليس لها علاقة بالاحتفال بولادة الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
أريد ألا أطيل في هذا، ولكني أذكر لأمر هام جدا طالما غفل عنه جماهير المسلمين حتى بعض إخواننا الذين يمشون معنا على الصراط المستقيم، وعلى الابتعاد من التعبد إلى الله عز وجل بأي بدعة، قد يخفى عليهم أن أي بدعة يُتعبد المسلم بها ربه عز وجل هي ليست من صغائر الأمور، ومن هنا نعتقد أن تقسيم البدعة إلى محرمة وإلى مكروهة يعني كراهه تنزيهيه.
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1163