لفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله تعالى -.
إن الحمد لله نحمده ونستعينة ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الامر محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد فقد بدا لي أن أجعل كلمتي في هذه الليلة بديل الدرس النظامي حول موضوع احتفال كثير المسلمين بالمولد النبوي وليس ذلك مني كل قياما بواجب التذكير وتقديم النصح لعامة المسلمين فإنه واجب من الواجبات كما هو معلوم عند الجميع. جرى عُرف المسلمين من بعد القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية على الاحتفال بولادة النبي- صلى الله عليه وسلم - وبدأ الاحتفال بطريقة وانتهى اليوم إلى طريقة، وليس يهمني في هذه الكلمة الناحية التاريخية من المولد وما جرى عليه من تطورات.
إنما المهم من كلمتي هذه أن نعرف موقفنا الشرعي من هذه الاحتفالات قديمها وحديثها، فنحن معشر أهل السنة لا نحتفل احتفال الناس هؤلاء بولادة الرسول- صلى الله عليه وسلم -ولكننا نحتفل احتفالاً من نوع آخر.
ومن البدهي أنني لا أريد الدندنة حول احتفالنا نحن معشر أهل السنة، وإنما ستكون كلمتي هذه حول احتفال الآخرين، لأبين أن هذا الاحتفال وإن كان يأخذ بقلوب جماهير المسلمين، لأنهم يستسلمون لعواطفهم التي لا تعرف قيداً شرعياً مطلقا، وإنما هي عواطف جانحة، فنحن نعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء بالدين كاملا وافيا تاما، والدين هو كل شئ يتدين به المسلم، وأن يتقرب به إلى الله - عز وجل - ليس ثمة دين إلا هذا، الدين هو كل ما يتديّن به ويَتقرب به المسلم إلى الله - عز وجل - ولا يمكن أن يكون شئ ما من الدين في شئ ما إلا إذا جاء به نبينا - صلوات الله وسلامه عليه -.
أما ما أحدثه الناس بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم- فلا سيما بعد القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية، فهي لاشكّ ولا ريبَ من محدثات الأمور، وقد علمتم جميعا حكم هذه المحدثات من افتتاحية دروسنا كلها حيث نقول فيها كما سمعتم آنفا: "خير الهدى هدى محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار".
ونحن وإياهم مجمعون على أن هذا الاحتفال أمر حادِث، لم يكن ليس فقط في عهده - صلى الله عليه وسلم -بل ولا في عهد القرون الثلاثة كما ذكرنا آنفا.
ومن البدهي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته لم يكن ليحتفل بولادته، ذلك لأن الاحتفال بولادة إنسان ما إنما هي طريقة نصرانية مسيحية، لا يعرفه الإسلام مطلقا في القرون المذكورة آنفا، فمن باب أولى ألا يعرف ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ولأن عيسى نفسه الذي يحتفل بميلاده المُدّعونَ إتباعه، عيسى نفسَهُ لم يحتفل بولادته مع أنها ولادة خارقة للعادة، وإنما الاحتفال بولادة عيسى عليه السلام هو من البدع التي ابتدعها النصارى في دينهم، وهي كما قال - عز وجل- {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} [سورة الحديد: 27].
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1162