نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1102
ومِن الخير لهؤلاء الطُّلاب -بدلًا مِن الاشتغال بهذه الفِتنةِ-: أن يَشتغلوا بقراءة الكُتب المفيدةِ لأهل السُّنَّة -لا سيَّما كتُب العُلماء المعاصِرين؛ كفتاوى شيخِنا الشَّيخ عبدِ العزيز بن باز، وفتاوى اللَّجنة الدَّائمة، ومُؤلَّفات الشَّيخ ابن عثيمين .. وغير ذلك-؛ فإنَّهم -بذلك- يُحصِّلون عِلمًا نافعًا، ويَسلَمون مِن القيل والقال وأكلِ لُحوم بعضِ إخوانِهم مِن أهل السُّنَّة.
قال ابنُ القيِّم -في «الجواب الكافي»، (ص203) -: «ومِن العَجبِ: أنَّ الإنسانَ يَهونُ عليه التَّحفُّظ والاحترازُ مِن أكل الحرامِ والظُّلم والزِّنى والسَّرقةِ وشُرب الخَمْر، ومِن النَّظر المُحرَّم، وغير ذلك؛ ويصعُب عليه التَّحفُّظُ مِن حركة لِسانه؛ حتى يُرى الرَّجل -يُشار إليه بالدِّينِ والزُّهدِ والعبادة- وهو يتكلَّم بالكلمةِ مِن سَخط اللهِ، لا يُلقي لها بالًا؛ يَنزل بالكلمة الواحدةِ منها أبعدَ مِما بين المشرقِ والمغرب! وكَم ترى مِن رجل مُتورِّعٍ عن الفواحش والظُّلم؛ ولِسانُه يَفري في أعراضِ الأحياء والأموات، ولا يُبالي ما يقول!».
وإذا وُجِد لأحدٍ مِن أهل السُّنَّة كلامٌ مُجمَلٌ وكلامٌ مُفصَّل؛ فالذي يَنبغي: إحسانُ الظَّنِّ به، وحَملُ مُجملهِ على مُفصَّله؛ لقول عُمَر t: «ولا تَظنَّنَّ بِكلمةٍ خَرجتْ مِن أخيكَ المؤمنِ إِلا خَيرًا وأنتَ تَجِدُ لها في الخيرِ مَحمَلًا» -ذكرَهُ ابنُ كثير في تَفسير سورةِ الحُجرات.
وقال شَيخُ الإسلامِ ابن تيميَّة -في «الرَّد على البَكري»، (ص324) -: «ومعلومٌ أن مُفسَّر كلامِ المتكلِّم يقضي على مُجمَلِه، وصريحَه يُقدَّم على كِنايتِه».
وقال -في «الصَّارم المسلول»، (2/ 512) -: «وأَخْذ مذاهب الفُقهاء مِن الإطلاقات -مِن غير مُراجعة لِمَا فسَّروا بِه كلامَهم وما تقتضيه أصولُهم-؛ يَجُرُّ إلى مذاهبَ قبيحةٍ».
وقال -في «الجوابِ الصَّحيح لمن بدَّل دِين المسيح»، (4/ 44) -: «فإنه يَجبُ أن يُفسَّر كلام المتكلِّم بعضه ببعضٍ، ويُؤخذ كلامُه ها هنا وها هنا، وتُعرف ما عادتُه يَعنيه ويُريده بذلك اللَّفظ إذا تكلَّم به».
والنَّاقدون والمنقودون لا عِصمةَ لهم، ولا يَسلم أحدٌ منهم مِن نقصٍ أو خطأ، والبحث عن الكمال مطلوبٌ؛ لكنْ: لا يُزهَد فيما دونه مِن الخير ويُهدَر؛ فلا يُقال: إمَّا كمال وإلا ضياع، أو: إما نُور تامٌّ، وإما ظلام! بل يُحافَظ على النُّور النَّاقص، ويُسعَى لزيادتِه، وإذا لم يَحصل سراجان أو أكثر؛ فسِراج واحد خيرٌ مِن الظلام.
ورَحِم الله شيخَنا الشَّيخَ عبدَ العزيز بن باز الذي وقف حياتَه للعِلم الشَّرعي -تَعلُّمًا، وعملًا، وتعليمًا، ودعوةً-، وكان مَعنِيًّا بتشجيع المَشايِخ وطلبةِ العلم على التَّعليم والدَّعوة، وقد سمعتُه يوصِي أحد المَشايِخ بذلك؛ فاعتذَر بعُذرٍ لَم يَرتَضِه الشَّيخُ؛ فقال -رحمهُ اللهُ-: «العَمشُ ولا العَمَى»؛ والمعنى: ما لا يُدرك كلُّه؛ لا يُترك بعضُه، وإذا لم يوجد البصر القويُّ ووُجد بصرٌ ضعيف -وهو العمَش-؛ فإن العمشَ خيرٌ مِن العمى.
وقد فقد شيخُنا -رحمهُ الله- بصَرَه في العشرين مِن عمُرُه، ولكن الله عوَّضه عنه نورًا في البصيرة اشتهر به -عند الخاصِّ والعامِّ-.
وقال شَيخ الإسلامِ -في «مَجموع الفَتاوَى»، (10/ 364) -: «فإذا لم يَحصل النُّور الصَّافي بأن لم يُوجَد إلا النُّور الذي ليس بصافٍ وإلا بقي النَّاس في الظُّلمة؛ فلا ينبغي أن يَعيبَ الرَّجلُ ويَنهى عن نورٍ فيه ظُلمة، إلا إذا حصل نورٌ لا ظُلمةَ فيه؛ وإلا: فكَم ممن عدل عن ذلك يخرج عن النُّور بالكليَّة».
ويُشبهُ هذا مقولةُ بعضِ النَّاس: «الحقُّ كلٌّ لا يتجزَّأ؛ فخُذوه كلَّه، أو دَعُوه كلَّه»؛ فإن أخذه كلَّه حقٌّ، وتركه كلَّه باطلٌ، ومَن كان عنده شيءٌ من الحقِّ؛ يوصَى بالإبقاء عليه، والسَّعي لتحصيل ما ليس عنده مِن الحق.
والهجرُ المحمودُ: هو ما يترتَّب عليه مصلحةٌ، وليس الذي يترتَّب عليه مفسدة.
قال شيخُ الإسلام -في» مجموع الفتاوى»، (28/ 173) -: «ولو كان كلَّما اختلف مُسلمان في شيء تَهَاجَرا؛ لم يبقَ بين المسلمين عصمة ولا أُخوَّة».
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1102