نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1103
وقال -أيضًا- (28/ 206) -: «وهذا الهجرُ يختلف باختلافِ الهاجِرين -في قوَّتهم وضعفِهم، وقِلتهم وكثرتِهم-؛ فإن المقصودَ به زجر المهجور وتأديبُه، ورجوع العامَّة عن مثل حالِه، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحةً -بحيثُ يُفضي هجرُه إلى ضعفِ الشرِّ وخِفيته؛ كان مشروعًا، وإن كان لا المهجور ولا غيره يَرتدعُ بذلك -بل يزيدُ الشرُّ-، والهاجر ضعيفٌ -بحيثُ يكون مفسدةُ ذلك راجحةً على مصلحتِه-؛ لم يُشرع الهَجرُ».
إلى أن قال: «إذا عُرف هذا: فالهِجرةُ الشَّرعيَّة هي مِن الأعمال التي أمر الله بها ورسولُه، فالطَّاعة لا بُدَّ أن تكونَ خالصةً لله، وأن تكونَ موافقةً لأمرِه؛ فتكونَ خالصةً لله صوابًا، فمَن هجر لهوى نفسِه، أو هجَر هجرًا غير مأمور به؛ كان خارجًا عن هذا، وما أكثر ما تفعل النُّفوس ما تَهواه؛ ظانَّةً أنَّها تفعلُه طاعةً لله!».
وقد ذكر أهلُ العلم: أن العالِم إذا أخطأ لا يُتابَع على خطئِه، ولا يُتبرَّأ منه، وأنَّه يُغتَفر خطؤُه في كثير صوابِه.
ومِن ذلك: قول شيخ الإسلام ابن تيميَّة -في «مجموعِ الفتاوى»، (3/ 349) -بعد كلامٍ سبق-: «ومثل هؤلاء إذا لم يَجعلوا ما ابتَدَعوه قولًا يُفارِقون به جماعةَ الإسلام، يُوالون عليه ويُعادون؛ كان مِن نوع الخطأ، والله -سُبحانه وتَعالى- يَغفر للمؤمنين خطأهم في مثل ذلك، ولهذا وقع في مثل هذا كثيرٌ من سلف الأمَّة وأئمَّتها؛ لهم مقالات قالوها باجتِهاد، وهي تخالف ما ثبت في الكتاب والسُّنَّة؛ بخلاف مَن والى مُوافِقَه، وعادَى مُخالفَه وفرَّق جماعة المُسلمين ...».
وقال الذهبي -في «سير أعلامِ النُّبلاء»، (14/ 39) -: «ولو أنَّا كلَّما أخطأ إمامٌ في اجتهاد في آحاد المسائل خطأً مغفورًا له قُمنا عليه وبدَّعناه وهجَرناه؛ لَمَا سلِم معنا لا ابنَ نَصر، ولا ابن مَندَه، ولا مَن هو أكبر منهما، واللهُ هو هادي الخَلْق إلى الحقِّ، وهو أرحمُ الرَّاحِمين، فنعوذ بالله من الهوى والفَظاظة».
وقال -أيضًا- (14/ 376) -: «ولو أن كلَّ مَن أخطأ في اجتهادِه -مع صحَّة إيمانِه، وتوخِّيه لاتِّباع الحق أهدرناه وبدَّعناه؛ لقلَّ مَن يَسلم مِن الأئمة معنا! رحم الله الجميعَ بمَنِّه وكرمِه».
وذكر ابن الجوزي: أن مِن التَّجريح ما يكون الباعِث عليه الهوى؛ قال -في كتابه «صَيدِ الخاطِر»، (ص143) -: «لقيتُ مشايخ؛ أحوالهم مختلفة، يتفاوتون في مقاديرهم في العلم، وكان أنفعهم لي في صحبتِه: العاملُ بعِلمه -وإن كان غيره أعلم-، ولقد لقيتُ جماعةً من علماء الحديث يَحفَظون، ويَعرِفون، ولكنَّهم: كانوا يتسامحونَ بِغِيبةٍ، ويُخرجونها مَخرج جرحٍ وتعديل ... ولقد لقيتُ عبدَ الوهَّاب الأنماطي؛ فكان على قانون السَّلف، ولم يُسمَع في مجلسهِ غِيبة ...».
وقال -في كتابه «تلبيس إبليس»، (2/ 689) -: «ومِن تلبيس إبليسَ على أصحاب الحديث: قدْحُ بعضِهم في بعض؛ طَلبًا للتَّشفِّي، ويُخرجون ذلك مَخرج الجرح والتَّعديل الذي استعمله قُدماء هذه الأمَّة للذَّبِّ عن الشَّرع، واللهُ أعلمُ بالمقاصِد».
وإذا كان هذا في زمن ابن الجوزي المتوفَّى سنة (597هـ) -وما قاربَه-؛ فكيف بأهل القرن الخامس عشر؟!
وقد صدر -أخيرًا- رسالة قيِّمة بعنوان: «الإبانة عن كيفيَّة التَّعامل مع الخلاف بين أهل السُّنة والجماعة»، تأليف: الشَّيخ محمَّد بن عبدِ الله الإمام -من اليمن-، وقد قرَّظها خمسةٌ من مشايخ اليمن، وقد اشتملت على نُقول كثيرة عن علماء أهلِ السُّنة -قديمًا وحديثًا-ولا سيَّما شيخ الإسلام ابن تيميَّة، والإمام ابن القيم -رحمَهُما اللهُ-، وهي نصيحةٌ لأهل السُّنة لإحسان التَّعامل فيما بينهم.
وقد اطَّلعتُ على كثير مِن مباحث هذه الرِّسالة، واستفدت منها الدلالة على مواضع بعض النُّقول التي أوردتُها -في هذه الكلمة- عن الإمامَين ابن تيميَّة وابن القيِّم؛ فأنا أوصي بقراءتِها والاستفادة منها.
وما أحسن ما قاله في هذه الرِّسالة - (ص170) -: «وقد يُجرِّح المعتبرُ بعضَ أهل السُّنَّة، فتنشب فتنُ الهجر والتَّمزيق والمضاربات، وقد ينشب القتال بين أهل السنَّة -أنفسِهم-! فعند حصول شيءٍ من هذا: يُعلم أنَّ الجرح قد أدَّى إلى الفتن؛ فالواجب: إعادة النَّظر في طريقة التَّجريح، والنَّظرُ في المصالح والمفاسد، وفيما تدوم به الأخوَّة، وتُحفظ به الدَّعوة، وتُعالج به الأخطاء، ولا يَصلح الإصرارُ على طريقةٍ في الجرح ظهر فيها الضَّررُ».
وما مِن شكٍّ أنَّ المشايخ وطلبةَ العلم الآخَرين مِن أهل السُّنة يَشعرون بما شعر به هؤلاء الإخوة اليمنيُّون، ويتألَّمون لهذه الفُرقة والاختِلاف، ويَرغبون تقديم النُّصح لإخوانهم، وقد سبق إليه الإخوة اليمنيُّون؛ فجزاهم الله خيرًا.
ولعل لهذه النَّصيحة نصيبًا من قولِه -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «الإيمانُ يَمان، والحِكمة يَمانيَّة» [رواهُ البخاري (3499)، ومسلم (188)].
والمأمول: أن تكون هذه النَّصيحة من الإخوة اليمنيِّين مُحققةً للغرض مِن كتابتِها ونشرها، ولا أظن أن أحدًا من أهل السُّنة يُؤيِّد هذا النَّوع من التَّجريح، والاهتمامَ بالمتابعة عليه، وهو لا يُثمر إلا العداوة والبغضاء بين أهل السُّنَّة، وغِلَظ القلوب وقسوتها.
ولا ينتهي عجب العاقل: أنه في الوقت الذي يَسعى فيه التَّغريبيُّون للإفساد في بلاد الحرَمين بعد إصلاحِها -ولا سيَّما الكارثة الأخلاقيَّة في منتداهم في جدَّة! -الذي سمَّوه-زورًا-: «منتدى خديجة بنت خُويلد»!! -والذي كَتبتُ عنه كلمةً بعنوان: «لا يليقُ اتِّخاذ اسم خديجةَ بنتِ خوَيلد عنوانًا لانفِلاتِ النِّساء»؛ أقول: في هذا الوقت يكون بعضُ أهل السُّنة مُنشغِلين بِنَيل بعضهم مِن بعض، والتَّحذير منهم!
وأسأل الله -عزَّ وجلَّ- أن يُوفِّق أهلَ السُّنَّة -في كلِّ مكانٍ- للتمسُّك بالسُّنَّة، والتَّآلف فيما بينهم، والتَّعاون على البِر والتَّقوى، ونبذ كل ما يكون فيه فُرقة أو خلاف بينهم.
وأسأله -تَعالى- أن يُوفق المسلمين -جميعًا- للفِقه في الدِّين، والثَّبات على الحق.
وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِه، وصحبِه.
16/ 1/1432هـ
عبد المحسِن بن حمد العبَّاد البَدر
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1103