نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1087
القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد. يقول النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: " ألا وإنَّ في الجسد مضغة، إذا صلحت؛ صلح الجسد كله، وإذا فسدت؛ فسد الجسد كله، ألا وهي القلب ". عالج هذا القلب بذكر الله، عالجه بالرجوع إلى الله -سُبحانهُ وتَعالَى-.
{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 16]. عالج هذا القلب المسكين بذكر الله -تَبارك وتَعالى-، بتلاوة القرآن. أما الإغراق في القيل والقال، والجدل الذي لا طائل تحته، والإلزامات التي لا تَلزم، والأحكام على الناس بغير رويَّة ولا هدى ولا كتاب منير!! وإنما من خلال عقلك أنت، وأنت صغير علمًا وسنًّا وعقلا كلها تنطبق عليك!! صغير في سنك، في عقلك، في علمك، ثم تَنصِب نفسك حاكمًا على الأمة؛ تكفِّر هذا، وتُفسِّق هذا، وتبدِّع هذا، برأيك، وفهمك القاصر! وتضرب حتى النصوص الشرعية تضرب بعضها ببعض دون الرجوع إلى طلاب العلم وإلى العلماء الربانيين، الذين ينفون عن كتاب الله تعالى تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
اشتغل -يا مسكين- بالعلم، اشتغل بالعبادة. تجدْه حتى لا يقوم شيئًا من الليل يلجأ إلى الله عز وجل، ينام ليلا ونهارًا! فإذا قام؛ ليس له همّ إلا ضرب الناس بعضهم ببعض.
وأحب من طلاب العلم أن ينتبهوا إلى مَن قد يندس بينهم مِن أدعياء العلم، وأدعياء الحق، وهم مندسون في صفوف طلاب العلم. ولا أدل على ذلك مِن نقلهم الأخبار على عواهنها، دون تمييز، ودون تحقيق، ودون رجوع إلا طلاب العلم أو إلى العلماء في فهم النصوص الشرعية، بل هو نفسه يبني ويحكم كما يريد؛ لأنه يزعم أنه وصل إلى ما لم يصل إليه غيره، وأنه هو عالم دهره، ووحيد عصره!
نعم النقل مقبول من العلماء الذين يقوِّمون الأمة -أفرادًا ومجتمعات- على وفق كتاب الله تعالى وهدي رسوله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-. أما أن يأتي صغار سفهاء لا يدركون ما يسمعون، ولا يحسنون نقل ما يسمعون، بل يقولون بأقوال يُلزمون فيها الناس ما لا يلزمهم، ويقوِّلون طلاب العلم أو العلماء ما لم يقولوا؛ فهؤلاء يجب أن نكون على حذر منهم، وأن ننصحهم بطلب العلم الشرعي، ننصحهم بأن يجتهدوا في طلب العلم الشرعي، وأن يبتعدوا عن المهاترات التي لا طائل تحتها، وبخاصة إذا تحولت المسألة إلى سِباب وشتائم وإلزامات وكلام لا يليق يفعله بعض الناس، وربما خاضوا بطريقة عكسية -والعياذ بالله- في طلب العلم الشرعي.
عندما قيل لابن عمر: إن هناك قومًا مِن القدرية يتقفرون العلم؛ يعني: يطلبون العلم، ويتتبعونه لكن على غير منهج السلف! تعلمون ماذا قال ابن عمر وبراءته منهم، وإعلانه البراءة منهم، ثم استدلاله على ذلك بحديث مجيءِ جبريل إلى النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- الذي رواه أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب -رضيَ اللهُ عنهُ-، والذين كانوا يخوضون في القدر.
فكذلك كثير من الناس -الآن- يخوضون في مسائل العلم بغير روية، وبغير فهم، وبغير فقه! ربما أخذوا نصوصًا للسلف فضربوا بها السنة والكتاب، وربما أخذوا نصوصًا وضربوا بها نصوصًا أخرى، أو ضربوا نصوص الكتاب والسنة بعضها ببعض. كل ذلك راجع إلى عدم الفقه وإلى عدم الرجوع إلى علماء الأمة، والرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول: " إنما العلم بالتعلُّم، وإنما الحلم بالتحلُّم "، ويقول الله عز وجل: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122]، ويقول --تَبارك وتَعالى--: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ} [النساء: 83]، ويقول -تَبارك وتَعالى-: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43، الأنبياء: 7]، ويقول الله -تَبارك وتَعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1087