وضابط هذه المسئلةِ: أن يكون هناك زيادة في المعنى المفهوم؛ تتولدُ من تكرارِ المبنى واللفظِ المنطوق، بأن تُعملَ العبارةُ أو اللفظةُ مرتين وقد وردت في نص القرآن الكريم مرة واحدة.
وعلى عكسِ ذلك قد تتكررُ اللفظة في نصِّ القرآن الكريم فيوقفُ اختياراً من أجل اجتناب تكريرها تكريراً من غير فصلٍ [1]، كما فى قوله تعالى "لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ/ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ" (التوبة 108)، ومنه كذلك قوله تعالى "وَإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ/ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ" (الأنعام 124)، ومثل قوله تعالى "وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرا* قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا" (الإنسان 16 - 15) بالتنوين في الموضعين معاًً لنافعٍ وشعبة والكسائي وأبي جعفر. وجماعُ ما سبق أن التكرار يكونُ لغرضٍ يريده الله، فمن كرر لفظةً لغير ضرورةٍ فقد حَمَّلَ نصَّ القرآن ما ليس منه!
ومن أغراض التكرار اللفظي في القرآن الكريم التوكيد كما في قوله تعالى "هيهات هيهات لما توعدون"، قال القرطبي والبغوي: نزل القرآن بلسان العرب، ومن مذاهبهم التكرار إرادة التأكيد والإفهام، كما أن من مذاهبهم الاختصار إرادة التخفيف والإيجاز [2].
وانظر إلى قوله جلَّ وعلا حين أراد التّكرارَ في الجواب بعد السؤال، قال: "فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ" (الطارق 6)، ثم انظر إلى قارئٍ يُكرر من تلقاءِ نفسه، واعجب! فلو شاء تعالى لقال "مِن مَّاء دَافِقٍ"، كما في مواضع تنبو عن الحصر من كلام الله، كما في قوله تعالى "لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ* لِيَوْمِ الْفَصْلِ" (المرسلات 12 - 13)، ولو شاء لقال: أجلت "لِيَوْمِ الْفَصْلِ".
o " يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّه/ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ" (لقمان 12) فقد عَمِلَ لفظُ الجلالة في هذا الوقفِ مرتين: مرة متعلقاً بقوله "لا تشرك"، ثم مرةً على سبيلِ القَسَمِ، وقد وردَ في الآية مرةً واحدةً، ففي الوقف الحسن هنا زيادة.
o ومثله: "وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاء اللهُ رَبُّنَا/ اللهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا" (الأعراف 89) فهو ابتداء قبيح لهذه القاعدة وللركاكة المتولدة من التّكرار أيضاً.
o ومنها: " لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْم/ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ" (غافر 16) فقوله "الْمُلْكُ الْيَوْم" عَمِلَ مرتين: مرة في السؤال، ومرة في جوابه، ولم يَرِدْ في كلامِ الله إلا مرةً واحدة!!
o وقوله "ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّين/ يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا" (الانفطار 18_19) وهو مثل سابقه!
o وقوله تعالى "وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَة/ الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ" (الهمزة 5_6) وهو كسابِقَيْه.
o وقوله تعالى "وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ/ هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ" (القارعة 10 - 11)
o ومنها: "أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْم/ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ" (الأنعام 93) فقد عَمِلَ ظرف الزمان مرتين: مرةً مع "أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ"، ومرةً مع "تُجْزَوْنَ".
o وقوله: "قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْم/ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" (يوسف 92)، والخطأ فيها من وجهين: التّكرار كسابقاتها، وتقييد الغفران بـ"اليوم"، والله لا مُكرِه له!
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1035