قال القسطلانيُّ -رحمه الله- في «لطائف الإشارات 1/ 263»:
(تنبيه وإرشاد: لا ينبغي أن يُعتَمَد في الوقف إلاَّ على ما يرتضيه المتقِنون من أهل العربيَّة، ويتأوَّله المحقِّقون من الأئمَّة، فليس كلُّ ما يتعسَّفه بعض المعربين، أو يتكلِّفه متكلِّفٌ من المقرئين، أو يتأوَّله محرِّف من أهل الأهواء المخطئين= يُعتَمَدُ عليه؛ كأن يوقف على قوله تعالى: ((فانتقمْنا مِنَ الَّذينَ أجْرَموا وكانَ حَقًّا))، ثُمَّ يبتدئ: ((عَلَيْنا نَصْرُ المؤمنين))؛ بمعنى: لازم، أو واجب، ولا يخفَى ما فيه. ((وإذْ قالَ لُقْمانُ لابنِه وهو يعظُه يا بُنيَّ لا تُشْرِكْ))، ثُمَّ يبتدئ: ((باللهِ إنَّ الشِّرْكَ))؛ علَى معنى القسمِ. وكالوقفِ على: ((وهو اللهُ))، ثُمَّ يبتدئ: ((في السَّمَاواتِ وفي الأرضِ)). ونحو: ((فَمَنْ حجَّ البيتَ أو اعتمَرَ فلا جُناحَ))، ثُمَّ يبتدئ: ((عليهِ أن يطَّوَّفَ بهما)). ونحو: ((عَيْنًا فيها تُسَمَّى))، ثُمَّ يبتدئ: (سَلْ سَبيلًا)؛ جملةً أمريَّةً؛ أي: سَلْ طريقًا موصلةً إليها، وهذا -مع ما فيه من التَّحريف- يُبطله إجماعُ المصاحف على أنَّه كلمة واحدة. ونحو: ((وما تشاؤونَ إلاَّ أن يشاءَ))، ثُمَّ يبتدئ: ((اللهُ ربُّ العالَمينَ))، فيصير (يشاء) بغير فاعلٍ. ونحو: ((وارْحَمْنَا أنتَ))، ثُمَّ يبتدئ: ((مَولانَا فانصُرْنا)) على معنَى النِّداء. فكلُّ هذا وما أشبهه تمحُّل، وإخراج للتنزيلِ عن المعنَى المُراد به. وقد رأيتُ غير واحد من قرَّاء الجوق يتعانَى كثيرًا من هذا؛ فهم مخطئونَ، مرتكبونَ الحرام، ويحسبون أنَّهم يحسنون صُنعًا، فلا حول ولا قوَّة إلا باللهِ. فعليك بمراعاة ما نصَّ عليه أئمَّة هذا الشَّأنِ، فهو أولَى من اتِّباع الأهواءِ، واللهُ الموفِّقُ للصَّواب) انتهى.
ـ[عائشة]ــــــــ[25 - 06 - 2011, 07:34 ص]ـ
وكنتُ قرأتُ -في بعض المنتديات- مقالًا يتعلَّقُ بهذا -جزَى الله كاتبَه خيرًا-:
في الوقف والابتداء: بعضُ الإعاداتِ تكونُ زيادةً في القرآنِ لا تجوزُ، وضابطها!
أحمد النبوي
مسئلةٌ: في أنَّ بعضَ الإعاداتِ تكونُ زيادةً في القرآنِ لا تجوزُ
وإنْ أشبهتِ الوقفَ الحسنَ، وضابطِ ذلك.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد:
فقد كَثُرَ جِدًّا وشَاعَ سَهْلاً على ألسنة بعض القراء في هذه الأيام من الوقوف والابتداءات العجيبة ما شاع، ومن أعجبها وأغربها تلك الإعادات في صلب كلام الله ما أنزل الله بها من سلطان، فلا ورد بها عند أهل الأثر دليل، ولا قام عليها من العقل برهان، بل بِخِلافِ ذلك: دار النقل والعقل كلاهُما على مَجِّها ومنعها، وما تمسُّك بعض القراء بها إلا لطرافتها وإغرابها على السامعين وإن عَافَهَا الذَّوْقُ والعقلُ بَدَاهَةً!
وأحب قبل البدء في تفصيل المسئلة أن أشير إلى أن بعض قرائنا الكبار أتى شيئاً يسيراً مما نبهتُ عليه في هذه المسئلة، وهو منهم فعلٌ نتأولُ لهم فيه خطأ المجتهد إن شاء الله، وهو أمر لم يكن شائعاً عندهم ولا ظاهراً، لكن شيوعه اليوم وذُيوعه ألجأني إلى التفصيل في سرد أمثلته وحُكمه، والمقصودُ ألا يَحُجَّني أحدٌ بفعلِ هؤلاء الكبار، فإن الرجال يوزنون بالحق ولا يوزنُ الحقُ بالرجال، وكما قلتُ: لم يكن شائعاً عندهم فلا حجة فيه، والله أعلم.
أُعَرِّجُ الآن على طائفة من الأمثلة قبل البدء في تخريج قاعدة هذه المسئلة وبيان وجهها الصحيح إن شاء الله، فمن ذلك أن يقرأ القارئ هكذا:
o " قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ الله" فيقف ثم يبتدئ مكرراً لفظ الجلالة فيقول "اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ" (الأنعام 19)
o " وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لا/ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا" (القصص 9) فهذا الوقفُ مما لا يصح أصلاً دون تكرار "لا"، فاحترز بعضُ القراء من مذمة الابتداء بـ"تَقْتُلُوهُ" بتكرار حرف النفي فانقلب زيادة، فقد راموا الخروج من لحنٍ فوقعوا في آخر!