الإيمانُ باليومِ الآخرِ ركنٌ أساسيٌّ مِن أركانِ الإيمان، وجزءٌ هامٌّ مِن أجزاءِ معرفةِ العبد بِربِّه.
كيف لا؛ وهو الذي يُحققُ للإنسانِ معرفةَ المصيرِ الذي سينتهي إليه هذا الوجود؛ بِبَرِّهِ وبَحْرِه، وسُهوله وجِباله، وإنْسِه وحيوانِه، والخلقِ كلِّه بِصُوَرِه كلِّها؟
(2)
فإذا عرف الإنسانُ ما سيصيرُ هو إليهِ بِمالِه وشبابِه، وبِدارِه وأبنائه؛ يُمكِنُ له -حينئذٍ- أن يعيشَ حياتَه كما يُريدُ اللهُ -سُبحانهُ- مِنهُ؛ مِن عبادةٍ وطاعةٍ وفَريضةٍ افترضها ربُّه عليهِ، ويُمكنُ له -أيضًا- أن يُحدِّد هدفَه مِن هذهِ الحياة، وأن يتَّخذَ مِن الوسائلِ والذَّرائع والأساليبِ ما يُوصِلُه إلى الهدَف، ويَبْلُغ به الغاية.
أمَّا الذي فقد هذه المعرفة، ولم يقفْ عليها، ولم يوقِن قَلبُه أنَّ لهذه الحياةِ يومًا آخِرًا، به تكون نهايتُها وخاتمتُها؛ فإنَّ حياتَه ستكونُ حياةً لا قيمةَ لها، ولا هدفَ لها، ولا غايةَ منها.
(3)
ولقد بيَّن لنا ربُّنا -سُبحانهُ وتَعالَى- في القُرآنِ العظيم أنَّه لم يَخلقْ خَلقَهُ مِن غير هدفٍ كبير، ولا غايةٍ سامية؛ بل خَلَقَهم لأسمى هدف، وأكملِ غاية.
وإن ربَّنا -سُبحانهُ- لما خلقَ الإنسانَ؛ سخَّر (1) له ما في السَّماوات وما في الأرض، وجعله سيِّدًا للأرضِ وما فيها، فهل هذا كلُّه كان دون غايةٍ أو غرض؟
هذا شيءٌ يتنزَّهُ اللهُ -سُبحانهُ- عنه.
قال اللهُ -سُبحانهُ-:
{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ - فَتَعَالَى اللهُ المَلِكُ الحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون: 115 - 116].
(4)
يبدأ اليومُ الآخِرُ بفَناء عالَمِنا هذا، فيموت كلُّ مَن فيه مِن الأحياء، وتتبدَّل الأرضُ غيرَ الأرض والسَّماوات.
ثم يُحيي اللهُ -سُبحانهُ وتَعالَى- مَن في القُبور مِن الأموات، ويَرُد إليهم الحياةَ مرةً أخرى.
قال الله -سُبحانهُ وتَعالَى-:
{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى - أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً (2) مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى - ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً (3) فَخَلَقَ فَسَوَّى - فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى - أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة: 36 - 40].
(5)
وبعد هذه الحياةِ الأُخرى، يُحاسبُ اللهُ -سُبحانهُ- كلَّ فَردٍ من النَّاسِ على ما عمِل في حياتِه الدُّنيا مِن خيرٍ أو شرٍّ.
فمَن كان خيِّرًا في الدُّنيا: يعمل الخَير، ويقوم بالأعمالِ الصَّالحة؛ فيكافئهُ اللهُ على عَملِه هذا بالجنَّة.
ومَن كان سيِّئًا في الدُّنيا: يعمل الشَّرَّ، ولا يؤدِّي ما فرضه اللهُ عليه مِن الصَّالحات؛ فيَجزيهِ اللهُ جزاءَ ما قدَّمَ مِن سوءِ عملِه نارَ جهنَّم.
(6)
والإيمانُ باليوم الآخِر مُهمٌّ جِدًّا، وتظهرُ أهميتُه بصورةٍ واضحة عند قراءةِ الآياتِ القرآنيَّةِ التي ذَكَرَتْه:
قال الله -سُبحانهُ وتَعالَى-:
{وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ} [البقرة: 177].
فأورد اللهُ ذِكرَ اليومِ الآخِر مع الإيمانِ به -سُبحانهُ-، وليس هذا إلا لأهمِّيَّتهِ الكُبرى ورُكْنِيَّتِه العُظمى.
والذي يقرأُ القرآنَ الكريمَ يَرى الآياتِ الكثيرةَ التي تَذكُره، وتتحدَّث عنه، فلا تكاد سورةٌ تخلو مِن الحديثِ عنه، مع تقريبِه إلى الأذهانِ والعُقول، مرَّةً بالحجَّة والبرهان، ومرةً بِضربِ الأمثال.
(7)
والقارئُ للآياتِ القُرآنيَّة يجدُ أنَّ لليومِ الآخِر أسماء عدَّة واردةً فيه، وكلُّ اسمٍ مِن هذه الأسماء يدلُّ على واقعةٍ أو حادثةٍ مما سيكونُ في ذلك اليوم العظيم؛ اليومِ الآخِر.
فهو «يومُ البَعْث» (4)؛ كما قال ربُّنا -سُبحانهُ-:
{وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الروم: 56].
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1013