ولقد استمرَّ نزولُ القرآنِ على النبيِّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ- أكثرَ مِن عشرين سنةً!
فما هو السَّببُ في ذلك؟!
إنَّ ذلك تكريمٌ وتشريفٌ للرَّسولِ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ-؛ فهو -بهذا- يشعرُ أنه مَحَلُّ العنايةِ الإلهيَّة والرِّعايةِ الرَّبَّانيَّة، وأن ربَّه ومولاه لا يَنساه، فهو خالِقُه ورازقُه وحامِيه.
(8)
والقُرآنُ العظيمُ فيه إعجازٌ للبَشر، وإعجازٌ للخَلْق؛ فهو كتابُ اللهِ الذي لا يَستطيعون أنْ يأتوا بِمِثلِه، أو يتكلَّموا بِما يُشبِهُه.
قال الله -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ [7] مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 23].
ولن يَستطيعوا إلى ذلك سبيلًا.
فهم أقَلُّ وأقلُّ مِن أن يَفعلوا ذلك، بالرُّغم مِن أنَّهم العربُ الفُصحاءُ الذين نَزَل القرآنُ الكريمُ بِلُغتِهم وما يَعرِفونه، لكنَّهم -مع ذلك- عَجزوا عن ذلك، ولم يَقدِروا عليه.
قال الله -سُبحانهُ-:
{كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت: [3]].
(9)
والقرآنُ العظيمُ كتابُ هدايةٍ وإرشاد.
قال اللهُ -سُبحانهُ-:
{قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت: 44].
وهذه الهدايةُ القُرآنيَّةُ مشتملةٌ على أقسامٍ ثلاثةٍ عمَّتْ جميعَ ما يُصلِحُ النَّاسَ في شأنِ دُنياهم وأمورِ معاشِهم:
القسمُ الأول:
يتناولُ العقائدَ التي يجبُ على النَّاس معرفتُها، والإيمانُ بها؛ كالإيمانِ بالله، وملائكتِه، وكُتبِه، ورسُلِه، واليوم الآخِر.
القسمُ الثَّاني:
يتناول الأحكامَ الشَّرعيَّةَ التي مِن خلالِها يَعبُد النَّاسُ ربَّهم، ويعرفون ما إلى الله يُقرِّبُهم، وينتَهون عما عنه يُبعِدُهم.
القسمُ الثَّالثُ:
هو المعاملاتُ المهذِّبةُ للنَّاس فيما بينهم، فهي تُهذِّب النَّفسَ المؤمنةَ وتطهِّرها، وترفعُ مِن شأنِها، وتُقوِّي روابطَ
الإخاء، وتثبِّتُ مجالاتِ التعاونِ بين البَشَر.
ومِن هذه الأخلاقِ: الصِّدقُ، والصَّبر، والرَّحمة، وبِرُّ الوالِدَيْن، وغيرها.