نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 1 صفحه : 730
* فأمَّا جَمعُهم (العِيدَ) على (أعياد)، وتصغيرُه على (عُيَيْد)، وقولُهم: (عيَّدَ النَّاسُ) معَ أنَّ الياءَ مبدَلة من الواوِ، فإنما هو على سبيلِ التوهُّمِ، لأنَّه لما طالَ عليهِم استِعمالُ (العِيد)، أنساهم هذا أصلَه، وظنُّوا الياء هي الأصلَ، فلمّا أرادوا الجمعَ، والتصغيرَ، واشتقاقَ فِعلٍ من (العِيد)، لم يراجِعوا الواوَ. ونظير هذا جمعُهم (القَيل) على (أقْيال)، و (الزِّير) على (أزيار)، و (الحَيْزَ) على (أحياز)، و (المِيسم) على (مياسِم)، و (المِيثرة) على (ميَاثِر)، و (الرِّيحَ) على (أرياح)، و (الميثاق) على (ميَاثِق)، قال الشاعِر:
حِمًى لا يُحَلّ الدَّهرَ إلا بإذنِنا،،، ولا نَسألُ الأقوامَ عهدَ المياثقِ
مع أنَّ الياء في هذه الأمثلة كلِّها مبدَلةٌ من الواو. وقد تهِمُ العربُ في أصولِ الأبنِية، وتُداخِلُ بينها، وربَّما حسِبتِ الزائِد أصلاً، ألا تراهُم جمعُوا (المَسيلَ) على (مُسلان)، و (المكَانَ) على (أمكنة)، و (أماكن) مع أنَّ الميمَ فيهما زائدةٌ، وجمعُوا (المصيبة)، و (المعيشة) على (مصائب)، و (معائش) مع أنَّ الياء فيها منقلبةٌ عن أصلٍ، وقالَ بعضهم: (حلّأتُ السويقَ)، و (رثأتُ الميتَ)، مع أنَّ أصلَهما الياءُ. وقالوا: (أسنتَ الناسُ): إذا أصابتهم سنةٌ، توهّموا تاء التأنيث المزيدة في (سنة) أصلاً. ومثلُه إعرابُهم بابَ (سنين) بالحركاتِ. وذلك لتوهُّمِهم أصالةَ النونِ.
وإذا كان إبقاءُ الياءِ في مسألة (الأعياد) توهُّمًا، لم يجُز القياسُ عليه، لأنَّه لم يطَّرِد في هذه المسألةِ. وإن كانَ في مسائلِ التوهُّم ما يجوزُ القياسُ عليه، كالجرِّ على الجِوار عندَ بعضهم، نحو (هذا جحرُ ضبٍّ خرِبٍ)، وكالعطفِ على التوهُّم، نحو قولِه: ((فأصدقَ وأكن مِّن الصالحين)) [المنافقون: 10].
ولا يصِحّ أن يكون التصغيرُ، وجمعُ التكسير من الفروع العارضةِ، لأنا رأيناهم إذا صغَّروا الكلِمة، أو كسَّروها ضربُوا عنها صَفحًا، ألا تراهم إذا صغَّروا (رِيحًا)، و (ميقاتًا)، أو جمعوهما قالوا: (رُويحة)، و (أرواح)، و (مُويقيت)، و (مواقيت)، فيعيدون الواوَ المبدَلة، وإذا صغَّروا (عُمَرَ)، قالوا: (عُمَيرٌ)، فيصرفونه جميعًا، ولا يُراعون أصلَه. وإنَّما امتنَع أن يكونَ التصغيرُ، وجمعُ التكسيرِ من الفروع العارِضةِ لأنهما يحيلانِ الاسمَ عن صورتِه لفظًا، ومعنًى.
وهذا كافٍ في بيانِ فسادِ قولِ من جعلَ الإبدالَ في (عُيَيد)، و (أعيادٍ)، ونحوها لخشية التباسِه بـ (الأعواد) جمع (عُود) [5]. ويَشهَد له أيضًا أنّا رأيناهم أبدَلوا ما لا يخشَى التباسُه بغيرِه، كـ (مواسم)، و (مياثق)، ونحوِها. وعلَى أنّ دعوى وقوعِ اللبسِ بين جمعِ (العِيد)، وجمع (العُود) لا تصِحّ، لأنه شتَّانَ ما معنيَاهما، وإنما يقعُ اللبسُ بينَ المتقارِبينِ.
* وأمَّا قولهم: (ديَّمتِ السَّماء)، فإنه من قولِهم: (دامتِ السَّماءُ تديم دَيْمًا). وقد سُمِعَ هذا عنهم [6]. وليس هو من بابِ (دامت تدومُ)، و (دوَّمت). وإذن فهما أصلانِ متبايِنان. ويدُلّك على هذا أنَّهم جمعُوا (الدِّيمة) على (دُيُوم) [7]، وقالُوا: (أرضٌ مَدِيمة) [8]. ولولا ذلك، لقالوا: (دُوُوم) على أن الأجوف الواويَّ لا يُجمَع على (فُعُول)، ولقالُوا: (مدُومة). وقد تتقارَب الأصولُ مع تقارُب معانِيها. ومن صُوَرِ ذلكَ أن يكونَ أحدُها معتلَّ العينِ بالواوِ، والآخَر معتلَّها بالياءِ. ومثالُ هذا قولُهم: (طاح يطيح، ويطوح)، و (ضار يضير، ويضور)، و (تاه يتيه، ويتوه)، و (ساخ يسيخ، ويسوخ)، و (زاغ يزيغ، ويزوغ). وقد يجوز أن تكون (الدِّيمة) من كلا البابَين. وعلَى أنّه لو لم يصِحَّ ثبوتُ بابِ اليائيِّ، فإنَّه ينبغي حين إذٍ أن يُحمَل على الإبدالِ، كما قالُوا: (تأوَّب، وتأيَّب)، و (تحوَّز، وتحيَّزَ)، و (تضوَّع، وتضيَّع)، و (تبوَّغ، وتبيَّغ). وأيُّ ذلك كان فكلا الاحتمالين شاذٌّ لا يقاسُ عليه.
ولا يَجوز أن يكون الفِعلُ (ديَّمت) لفظًا عارضًا كما لم يجُز ذلك في التصغيرِ، وجمعِ التكسير للعِلّة التي بينَّا آنِفًا. هذا وليس ثَمةَ لفظٌ يُخشَى أن يلتبِس به هذا اللفظُ حتى يحمِلهم هذا على أن ينفصلوا عنه بالإبدال.
الرابع: أنا لو سلَّمنا بأن في (التقويم) لبسًا، وأنَّ العربَ تعتدّ بالعارض كثيرًا، وتعلِّقه بوقوعِ اللبسِ، وأنَّ (التقييم) لفظٌ عارِضٌ لـ (القيمة)، وأنَّ من شواهِد هذا الحُكم قولَهم: (عُيَيد)، و (أعياد)، و (عيَّد الناسُ)، وقولَهم: (ديَّمت السماءُ)، لم نسلِّم أنَّ ذلك من مَّا يصِحّ أن يقاس عليه، لأنَّه لم يبلغ مبلغَ الاطِّراد المستمرِّ.
فقد ظهرَ إذن أنَّه ليس لكلمةِ (التقييم) حجةٌ صَحيحةٌ من السماعِ، أو القياسِ.
5/ 10/ 1433 هـ
[1] منهم مجمعُ اللغة بالقاهرة، راجع مجلةَ المجمع 24/ 200، والمعجمَ الوسيط (قيم)، ومحمدٌ العدناني في معجم الأخطاء الشائعة 212، وإميل يعقوب في معجم الخطأ والصواب 224. وقد لخَّصت حجتَهم بأوفى، وأبينَ من ما ذكروا.
[2] توهم صاحب معجم الخطأ والصواب 224 أنه اسم غير مصدر. ولا يصِحّ، فإنه مصدرٌ لـ (قامَ الشيء) بمعنى (بلغَ ثمنُه)، يقال: كم قامت ناقتُك؟ أي: كم بلغَ ثمنُها. انظر تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري (قوم) رواية عن أبي زيدٍ في (نوادره). وليس في المطبوع منها. وهو أيضًا في البارع في اللغة لأبي علي القالي 514، وغيرِه.
[3] راجع العين (قوم)، وغريب الحديث لأبي عبيد 5/ 247، والبارع لأبي علي 517، وتهذيب اللغة للأزهري (قوم)، وغيرَها.
[4] النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير 4/ 125. [5] منهم ابن قتيبة في أدب الكاتب 603، والجوهري في الصحاح (عيد). [6] راجع شرح المفضليات لأبي محمد الأنباري 1/ 24 (تح طريفي)، وشرح القصائد السبع 558 لابنه أبي بكر. كلاهما عن الأصمعي. ونقلَه أبو حنيفة عن الفراء كما حكى عنه ابن سيده في المحكم (ديم). وليس في المطبوع من كتابه النباتِ. وانظر الخصائص لابن جني 1/ 355. [7] رواه أبو منصور في التهذيب (دوم ديم) عن أبي العميثل. [8] رواه أبو عبيد في الغريب المصنف 1/ 457، (تح داوودي) عن اليزيدي، وأبو مسحل في نوادره 1/ 369.
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 1 صفحه : 730