responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 1  صفحه : 729
ثانيها: أنَّ الاعتدادَ بالعارِض قليلٌ في كلامِهم. وهذه مسألةٌ محوِجةٌ إلى فَضلِ بسطٍ، وبيانٍ. فنقول: إنَّ في كلامِ العربِ ضروبًا من التفريعِ. فمن هذه الفروع ضربٌ يسمَّى طارئًا، أو عارِضًا. وهو تغيير يسيرٌ يَطرأ على الكلِمة على غيرِ نيَّة الاستِقلالِ عنها. وذلكَ بالحذفِ، أو الإبدالِ في الحركاتِ، أو الحروفِ. وقد يكونُ حالاً طارئةً كالوقفِ، ونحوِه. وهم يجعلُون حكمَه حكمَ الأصلِ. ولذلكَ لم يبالُوا أن تزولَ عنه العِلَّة التي كانت في أصلِه، ويبقَى حكمُها، ألا تراهم قالُوا في تخفيف (الأحمر): (الاحمر)، فأبقَوا همزةَ الوصلِ مع أنَّ الغرضَ الذي جيءَ بها من أجله، وهو التوصُّل إلى النطق بالساكن، قد زالَ. ومنهم مَن يعتدُّ بالعارضِ، فيحذِفها. كما أن أصلَ (يضَع)، وأمثالِها هو (يضِع) بآيةِ ما حذفوا الواوَ منها، وهي لا تُحذَف إلا إذا كانت عينُ الفِعل مكسورةً، كـ (يعِد)، فلمَّا فتحُوها رعايةً لكونِ لامِ الفِعل، وهي العينُ، من حروف الحَلقِ، لم يَردُّوا الواوَ المحذوفةَ مع زوالِ علَّتِها بفتحِ العينِ، إذْ كانَ ذلك طارئًا. وتأمَّلْ مبلغَ حكمتِهم كيفَ تهيَّأ لهم أن يجمَعُوا بينَ إرادةِ التخفيفِ بالفتحِ. وهو ما يدعو إليه حرفُ الحَلقِ، وبينَ الدّلالةِ على الأصلِ بالإبقاء على حذفِ الواوِ. ونظيرُ ذلك أيضًا نداءُ المرخَّمِ، كقولِك: (يا فاطم)، فإنَّ جمهور العربِ لا ينقُلون حركةَ التاء المحذوفةِ إلى ما قبلها، كأنَّهم لم يعتدُّوا بالحذفِ لطروئِه. ومِنها أنهم لما حذفوا حرفَ العِلة في نحوِ (رمَتْ) لالتقاء ساكنين، إذ أصلها (رمَاْتْ)، ثم وجدُوا التاء قد تتحرَّك، وذلك إذا وليَها ساكنٌ، نحو (رمَتِ المرأة)، لم يردّوا حرفَ العِلّة المحذوفَ، فيقولوا: (رَمَاْتِ المرأةُ) مع زوالِ علّة حذفِه بتحريكِ ما بعدَه. وذلكَ لأنَّ حركةَ ما بعدَه حركةٌ طارِئةٌ. ومنها أنَّهم إذا أسكنوا العينَ في نحوِ (رَضِيَ) تخفيفًا، فقالوا: (رَضْيَ)، لم يَرجعوا الواوَ المبدَلة مع زَوال علّتِها لأن هذا الإسكانَ عارِضٌ. وذلك أن أصلَها (رَضِو)، فلما وقَعتِ الواو متطرِّفة بعد كسرٍ، أبدِلت ياءًا. وهذا كثيرٌ معروفٌ.
وكما أبقَوا حكمَ الأصلِ في الفرعِ مع زَوال العِلّة الموجِبة له بالتفريعِ، كذلكَ لم يعبئوا بالعِلَّة الحادثةِ في الفرع بعدَ التفريعِ، فلم يبنُوا عليها حكمًا. مثالُ ذلك نحوُ (جَيْئَل)، فإن منهم من يخفِّفها، فيقول: (جيَل)، ثمَّ لا يبدِل الياء ألفًا مع تحرُّكها، وانفتاح ما قبلها، إذْ كانَت هذه العِلَّة عارضةً. ومثلُه أيضًا نحو (رُؤْيا)، فإنَّهم ربَّما خفَّفوها على (رُوْيا)، ولم يدعُهم هذا إلى أن يبدِلوا الواو ياءًا، ويدغموها في ما بعدَها، فيقولوا: (رُيَّا) مع اجتماعِهما، وسكونِ السابقِ منهما، إلا جماعةً منهم، فإنهم يقولون ذلك. وهو شاذٌّ. كما إنهم لا يجيزونَ إبدال الواو المضمومةِ همزةً في نحو (هذا غَزْوٌ فاعلم) لكون الضمّة طارئةً.
وقد رأيتَهم كيفَ جعلُوا الفَرع العارِضَ دونَ حكمِ الأصلِ، وحطُّوه عنه درجةً، إذْ كان وجودُه تابعًا لوجودِه، ومنوطًا به. وكأنَّهم أرادُوا بذلكَ أن يجعلوه دَليلاً على منبِتِه، ومَنبهةً على أرومتِه. كما كرِهوا أن يسوُّوا الأثيلَ التليدَ بالطارِفِ الجديدِ، ويعدِلوا القديمَ الثابتَ بالمستأنَفِ الحادثِ، ويعلِّقوا أحكامَهم على ما يعلمونَ سرعةَ تحوُّله، ووشْكانَ رحيلِه. وهو شاهِدٌ على ثقوبِ فطنتهم، وصِحَّة تدبيرِهم.
وأمَّا الذينَ اعتدُّوا بالعارِض في بعض المسائلِ، فكأنَّهم وجدُوا في مراعاةِ الأصلِ مشقَّةً، وعنَتًا، ومحافظةً، وجمودًا، فآثَروا النظرَ إلى الحالِ على تكلُّف ملاحظةِ المآلِ. وكلٌّ قد رامَ وجهًا، وانتحَى مذهبًا، إلا أنَّ الأوَّل هو الكثيرُ الغالبُ، والسائرُ المنقادُ. وإذا كان ذلك كذلك، لم يجُز القياسُ على اعتدادِهم بالعارض لقِلّته، وشذوذِه.
ثالثها: أنَّ (التقويم) ليس لفظًا عارِضًا لـ (القِيمة)، بل هو لفظٌ مشتَقٌّ منه، ومفرَّعٌ عنه على جهةِ الانفصالِ. وقد شرحنَا آنِفًا معنَى العروضِ الذي قد يعتدُّون به. فأمَّا هذا، فلا يُعتَدّ به بحالٍ، لأنه ليس عارِضًا.
¥

نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 1  صفحه : 729
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست