responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 1  صفحه : 368
أخشى ما أخشاه فى ظل ما نسمعه هذه الأيام من الدعوات المريبة إلى هجر الفصحى والركون إلى العامية أن يكون بحث د. أنيس هو قنبلة موقوتة وُضِعَتْ فى مكانها الحساس الخطير بهدوء شديد بعدما ألصق صاحبها عليها وريقة تصنفها على أنها كرة يلعب بها أطفال الأسرة الذين سيهلون على الدنيا يوما ويعنّ لهم بعد أن يكبروا قليلا أن يجروا ويتقافزوا ويصرّفوا طاقاتهم المحبوسة، حتى إذا حل الميعاد انفجرت القنبلة فقتلت من قتلت، وبترت أطراف من بترت، وشوهت وجه من شوهت. إن فى مصر الآن من يسعى لجزر رقبة الفصحى، بل لجزر رقبة العروبة ذاتها وما يرتبط بالعروبة من أدب ودين وتشريع وتاريخ وأبطال وقيم. وهل هناك ما هو أحرى بإثارة الشك فى الفصحى والركون إلى العامية من أن يقال: إنه لم يكن هناك يوما إعراب، بل الأمر كله لا يعدو أن يكون تسرعا من قبل علمائنا وسوء فهم من جانبهم ظنوا به تحريك أواخر الكلمات تخلصا من التقاء الساكنين وما أشبه: إعرابا يشير إلى وظيفة الكلمة فى الجملة؟
إن د. إبراهيم أنيس يزعم أن العرب كانوا ينهون كل كلمات لغتهم بالسكون، لكنهم حين يصلون الكلام كانوا يحركون أواخر تلك الكلمات بهذه الحركة أو تلك، إلا أن هذه ليست حركات الإعراب، بل مجرد حركات صوتية تناسب الحرف الذى تتلوه من الكلمة السابقة أو تسبقه من الكلمة التالية. ترى كيف عرف هذا؟ الحق أنه لا توجدأدنى إشارة إلى أن العرب كانوا يسكنون أواخر كل الكلمات، فمن أين أتى سيادته بهذا الافتراض؟ أوكلما ثار فى خيالاتنا وأوهامنا خيال من الخيالات أو وهم من الأوهام نندفع إلى ترديده وكأنه حقيقة قاطعة لا ريب فيها؟ أوهذا هو العلم ومقتضيات المنهج العلمى؟ أيكفى أن يقول الواحد منا: "يبدو" أو"يظهر" أو "يخيل إلىّ" وما أشبه، ثم ينطلق فيسرد سخافاته سردا دون أدنى ذرة من تردد أو تفكر؟ يقول د. إبراهيم أنيس: "يظهر، والله أعلم، أن تحريك أواخر الكلمات كان صفة من صفات الوصل فى الكلام شعرا أو نثرا، فإذا وقف المتكلم أو اختتم جملته لم يحتج إلى تلك الحركات، بل يقف على آخر كلمة من قوله بما يسمى: السكون. كما يظهر أن الأصل فى كل الكلمات أن تنتهى بهذا السكون وأن المتكلم لا يلجأ إلى تحريك الكلمات إلا لضرورة صوتية يتطلبها الوصل" (من أسرار اللغة/ 204).
والملاحظ أن قاسم أمين قام قبل بضعة عقود من ظهور كتاب إبراهيم أنيس بحملة على الإعراب متهما إياه بأنه مصدر كل ما يقع من لحن في قراءة العربية، ومتخذا من عدم وجود الإعراب في بعض اللغات الأوربية حجة يدعم بها رأيه. وحَسْبَ رأيه ينبغى علينا نحن أهل العربية "أن نبقى أواخر الكلمات ساكنة لا تتحرك بأي عامل من العوامل". وبهذه الطريقة، وهي طريقة جميع اللغات الإفرنجية والتركية كما قال، يمكن، فى رأيه، حذف قواعد النواصب والجوازم والحال والاشتغال دون أن تضار اللغة أى ضرر لأن مفرداتها سوف تبقى كما هى. يقول هذا وكأن اللغة مجرد مفردات فحسب (ذكر قاسم أمين هذا الرأى فى كتابه: "كلمات" المنشور ضمن الأعمال الكاملة لقاسم أمين/ تحقيق د. محمد عمارة/ ط2/ دار الشروق/ 1989م/ 143).
إذن فالدكتور أنيس، حين كتب ما كتب، لم يكن ابن بجدتها، بل قد تسلم الراية من أمثال قاسم أمين وطوَّر ما قاله هو ومن يلفون لفّه كسلامة موسى، الذى هاجم فى كتابه الركيك الفكر الفاسد الذوق الذى يسمى: "اللغة العربية والبلاغة العصرية" لغة القرآن الكريم بكل وقاحة زاعما بالإفك والبهتان أولا أنها متخلفة، وثانيا أن الإعراب هو أهم أسرار تخلفها وتخلفنا نحن أيضا (انظر كتابه المذكور/ سلامة موسى للنشر والتوزيع/ 1964م/ 9، 11، 77 وما بعدها، 84، 93، 130 وما يليها، وبالذات 124 ...). يقول هذا وكأنها متخلفة فعلا، فى الوقت الذى كان يؤلف مقالاته وكتبه بها، وينظر إلى ما كتبه على أنه انعكاس لأرقى ما وصل إليه الفكر البشرى فى اللغات الأوربية التى كان يترجم منها ويلخص ما تشتمل عليه بغض النظر عن مدى دقته وصدقه وموضوعيته فى هذا التلخيص والعرض أو عدمه، مما يدل على أن كل ما قاله فى هذا الصدد هو كلام ماسخ سمج. نعم، إن ما كتبه أنيس لهو امتداد لما كتبه سلامة موسى وقاسم أمين وأمثالهما، وإن حاول أن تأخذ المسألة لديه مظهرا علميا رغم أن كل كلمة بل كل حرف فيما كتبه إنما يدابر العلم والمنطق والعقل مدابرة لا
¥

نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 1  صفحه : 368
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست