نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 1 صفحه : 2270
ومن الأعلام البارزة أيضا والتي عُدّت رافدا فكريا لعبد القاهر الجرجاني، إمام النحاة وعلمها الشامخ أبو بشر عمر بن عثمان والمعروف "بسيبويه" صاحب الكتاب الأشهر. الذي لا يزال مرجعا أساسا في كل الدراسات اللغوية إلى اليوم، قال عنه المازني (ت 249هـ) " من أراد أن يعمل كتابا كبيرا في النحو بعد سيبويه فليستح مما أقدم عليه") (، وقال عنه ابن جني: "لقد خطب (جمع) بكتابه وهو ألف ورقة علما مبكرا، ووصفا متجاوزا لما يسمع ويرى") (، ولا غرابة في مثل هذه الآراء فهو بحق موسوعة لغوية، ولقد صدق حين سماه " قرآن النحو" وتكفي شهادة السيوطي حين قال: "أعلم الناس بالنحو بعد الخليل، وألف كتابه الذي سماه قرآن النحو، وعقد أبوابه بلفظه ولفظ الخليل") (.
وبالرجوع إلى محتوى الكتاب، فإن سيبويه تعرض فيه لمسائل كثيرة في قواعد اللغة والأدب بغية تفسير القرآن، وفهم أشعار العرب، والوقوف على أسرار اللغة وتراكيبها، فناقش فيه موضوعات علم المعاني كالحذف، والتقديم والتأخير، الفصل والوصل، والقصر، وهي الأبواب التي يشترك فيها مع عبد القاهر في كتاب: دلائل الإعجاز، فكانت صلة القرابة شديدة بينهما؛ مما حدا بالشيخ إلى الاستدلال ببعض منها، والمخالفة في البعض الآخر منها، ومثال على ذلك باب التقديم والتأخير الذي أولاه سيبويه اهتماما وعناية في التراكيب من المسائل التي لم يستحسنها الشيخ؛ وهو ما علق عليه في كتابه بقوله:"واعلم أن لم نجدهم اعتمدوا فيه شيئا يجري مجرى الأصل، غير العناية والاهتمام، فقال صاحب الكتاب وهو يذكر الفاعل والمفعول: كأنهم يقدمون بيانه أهم لهم، وهم بشأنه أعني، وإن كانا جميعا ويهمانهم ويعنيانهم ولم يذكر في ذلك مثالا" (). فعبد القاهر الجرجاني في هذا يعاتب سيبويه عتابا لطيفا، ويحدد عليه ما ينبغي أن يشير إليه، فيعقّب على هذه المسألة قائلا: "ولتخيّلهم ذلك قد صغر أمر التقديم والتأخير في نفوسهم، وهوّنوا الخطب فيه، حتى أنك لترى أكثرهم يرى تتبعه والنظر فيه ضربا من التكلف، ولم تر ظنا أزرى على صحبه من هذا وشبهه") (، كما يؤاخذه أيضا على عدم تقديم أمثله كافية في هذا الباب، وبالمقابل ينقل عنه بعض الفقرات التي استدل بها الجرجاني في كتاب "الدلائل" نذكر منها النقاط التالية:
أولا:: نقل عنه عبارة في كتابه والتي افتتح بها سيبويه كتابه في أول سطر منه "هذا علم الكلم من العربية"))، كما أخذ عنه سحر بلاغة التقديم) (.
يرى كثير من الباحثين أن لسيبويه الفضل في تقديم سر هذا اللون البلاغي، على اعتبار أن من سبقه لم يقف على هذه الأسرار البلاغية، ذلك أن "العلماء قبله كانوا يعرفون التقديم والتأخير ولكنهم لم يقفوا على أسراره البلاغية، هذا يونس بن حبيب (ت183هـ) الذي روى عنه سيبويه كثيرا من مسائل الكتاب يعرف التقديم ويذكره حين يعرض لجواب الشرط بعد الاستفهام، فيقول:"إن تأتيني أتيك بالرفع ويقول: هو في نية التقديم وتقريره أآتيك إن تأتيني") (، ومعنى ذلك أنه يعالج التقديم والتأخير في الكلام بلفت النظر إلى سره البلاغي") (.
وإن كان الجرجاني استمد فكرة سيبويه إلا أنه لم يقاسمه إياها حتى نهايتها إذ يقول في هذا الشأن: " اعلم أنا لم نجدهم اعتمدوا فيه شيئا يجري مجرى الأصل غير العناية والاهتمام، قال صاحب الكتاب وهو يذكر الفاعل والمفعول:" كأنهم يقدمون الذي بيانه أهم لهم، وهم بشأنه اعني، وأن كنا جميعا يهمانهم ويعنيانهم "ولم يذكر في ذلك مثالا") (.
ثانيا: نقل عنه بعض من الشواهد في باب الحذف) (، ونعني بها تلك الأبيات الشعرية والتعليقات المصاحبة لها كقول الشاعر:
إِعْتَادَ قَلْبُكِ مِن لَيلَى عَوَائِدُهُ **** وَهَاجُ أَهوَائكِ المَسْكُونَة الطَّلَل
رَبْعٌ قواءٌ أَذَاعَ المُعصِرَات بِهِ **** وَكًلّ حَيْرَان جَارَ مَاؤُهُ خَضِلُ ((
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 1 صفحه : 2270