نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 1 صفحه : 124
وأما قولكم:
ثالثًا: إذا كنتم رددتم هذه الرواية فا قولكم في اللحن المشهور عن أبي حنيفه: (ولو بأبا قبيس) الذي رواه أبو قتيبة في تأويل مختلف الحديث ص 79
فقد أجاب عنه خلق من العلماء قبلي، ولا أدري كيف تقول هذا أصلحك الله، فإن (أبو) من الأسماء الخمسة أو الستة، ومعلوم أن هذه اللفظة فيها لغة لبعض العرب هي القصر، فيلتزمون الألف في الرفع والنصب والجر، فيقولون: جاء أباك، ورأيت أباك، ومررتُ بأباك، قال ابن مالك:
أب أخ حم كذاك وهنُ * والنقص في هذا الأخير أحسنُ
وفي أب وتالييه يندرُ * وقصرها من نقصهن أشهرُ
فالقصر لغة مشهورة، وهي أشهر من النقص، وإن كانت أقل من الإتمام.
وعليه قول أبي النجم أو غيره:
إن أباها وأبا أباها * قد بلغا في المجد غايتاها
فأتى بالثالثة على لغة القصر، ولو كان على لغة التمام لقال: وأبا أبيها، لأنه مضاف إليه مجرور.
ومنه قول بعض أهل اليمن:
واشدُد بمثنى حقب حقواها * ناجية وناجيا أباها
أنشده أبو زيد في نوادره، فتراه قال: "وناجيا أباها"، ولو جاء به على لغة التمام لقال: وناجيا أبوها، لأنه فاعل مرفوع.
فقول الإمام أبي حنيفة -رحمه الله- يُخرَّج على هذا، فإنه جاء على لغة القصر، وليس بلحن فتطالبنا بإنكاره، قال الشيخ محيي الدين في (منحة الجليل): "وعلى هذه اللغة قال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه: (لا قود في مثقَّل ولو ضربه بأبا قبيس) "، وقد تكلم في ذلك العلماء قبله، ولا حاجة بنا للإكثار من النقل.
ثم من (أبو قتيبة!) صاحب تأويل مختلف الحديث؟
وأما قولكم:
بقي أمرٌ لا علاقة له بصلب الحديث، وهو حديث الأخ العمري عن فصاحة الأزد وليته يزيدنا علمًا في هذا الجانب، فما عرفنا لأزد فصاحةً، والقبائل التي أخذت عنها اللغة معروفة، كقيس وتميمٍ وأسد، وأما الأزد فلم يسلم منهم إلَّا أزد السراة فقط، وأما أزد عمان وأزد غسان وأزد شنوءة فلم تؤخذ عنهم اللغة؛ لاختلاطهم بالأعاجم.
فهو كما ذكرتَ خارج عن صلب حديثنا، وما أظنك ذكرته إلا تعريضا بي، وإن عندي لكلاما كثيرا لو أردتُ الإكثار، لكني سأقول باختصار:
أنا ما ذكرت في كلامي أن الأزد أهل فصاحة، فأرني ذلك في كلامي.
وإنما قلت: إن العلماء لما ذكروا فضل الشافعي ومناقبه وفصاحته ذكروا أن أمه أزدية، ولعلي أجد المواضع التي قرأتُ هذا فيها، أعني اقتران ذكرهم لفصاحته بكون أمه أزدية، أما كونهم نقلوه للتدليل به على شرف نسبه فهذا لا غبار عليه.
وأما قولك: ما عرفنا لأزد فصاحة.
فأقول: إني لأجد ريح عصبية، فدع عنك تنقص القبائل، ولا تطلق الكلام هكذا جزافا.
نعم ليست الأزد من القبائل التي كثر نقل أهل اللغة عنها، لكن كيف تقول: "ما عرفنا لأزد فصاحة"، سبحان الله، ما أقبح الجهل!
قال الأصمعي: قال أبو عمرو بن العلاء: "أفصح الشعراء ألسناً وأعربهم أهل السَّرَوات وهنّ ثلاث وهي الجبال المطّلة على تهامة مما يلي اليمن فأولها هُذيل وهي تلي الرمل من تهامة ثم عليه السراة الوسطى وقد شركتهم ثقيف في ناحية منها ثم سَرَاة الأزد أزد شَنُوءة وهم بنو الحارث بن كعب بن الحارث بن نَصْر بن الأزْد"
فأنت تقول: ما سلم إلا أزد السراة، وتعني أنهم سلموا من العجمة فقط، لا تعني أنهم فصحاء، وأما أزد شنوءة فتجعلهم ممن اختلط بالعجم! ويا ليت شعري كيف اختلطت أزد شنوءة بالأعاجم!!
وأبو عمرو يقول: أفصح الناس أهل السروات وعدَّ منهم أزد شنوءة، ويدخل في ذلك أزد السراة في ما أرى، فلم يجعلهم أبو عمرو فصحاء فقط، بل جعلهم أفصح الناس مع القبائل الأخرى التي ذكرها، فهل ترى أن نصدقك ونكذب أبا عمرو بن العلاء أم ماذا؟
وقولك: إن أزد غسان اختلطوا بالأعاجم حق، وأما أزد عمان ففي ذلك نظر، لكن أقول: الأزد كغيرها من القبائل فيهم الفصيح جدا وفيهم من هو دونه، فأهل الفصاحة أزد شنوءة وأزد السراة، وقد رأيتَ قول أبي عمرو بن العلاء في أزد شنوءة، وأنا أقول: حكم أزد السراة كأزد شنوءة في هذا، وقد دل عليه قوله في أول كلامه: "أفصح الناس أهل السروات"، وأزد السراة من أهل السروات، فهم داخلون في هذا، ثم قوله بعد ذلك: "ثم سراة الأزد"، وأزد السراة داخلون في هذا أيضا.
وكذلك في تميم وقيس وغيرها يخلتفون فصاحة وليس هذا خاصا بالأزد، فقد ذكروا أن عُليا تميم وسُفلى قيس أفصح من باقيهم، فهل يقال: ما عرفنا لقيس وتميم فصاحة، لأن بعضهم أفصح من بعض، كما أطلقت في أول كلامك عن الأزد، لأن أزد غسان اختلطوا بالأعاجم؟
فكيف تطلق هذا الكلام عن الأزد مع ما رأيت من جعل أبي عمرو بن العلاء أزدَ شنوءة من أفصح الناس، ويدخل في كلامه أزد السراة أيضا؟!
وأما باقي الأزد فهم عرب أقحاح فصحاء كالأوس والخزرج وغيرهم، ولا تعني قلة أخذ العلماء من لغتهم أنهم ليسوا عربا فصحاء، وإلا لزمنا أن نقول ذلك في كل قبيلة قلَّ نقل العلماء للغاتها كبكر وتغلب وكلب وجهينة وبلي ومذحج وهمدان وغيرهم.
ـــــــــــــــــــ
والحديث ذو شجون، وبالله التوفيق.
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 1 صفحه : 124