نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 1 صفحه : 121
فنقول: لا ندري ماذا تريدون بالتقديس هنا، وما كان علماؤنا الأولون يستعملون هذه الكلمة في الحديث عن الرجال والعلماء، ما كانوا يقولون: فلان يقدس شيخه فلانا، يريدون أنه يجله ويوقره.
فإن كنتم تعنون الإجلال والتوقير فنحن نجل الإمام مالكا -رحمه الله- ونراه إماما من أئمة المسلمين.
وإن كنتم تريدون بالتقديس أننا نرفعه إلى درجة الأنبياء والرسل فندعي له العصمة، فمعاذ الله تعالى، وليس الصحابة -رضي الله عنهم- معصومين بله من هو دونهم.
ودفاع الشيخ المعلمي وأخينا المراكشي ليس مبنيا على اعتقاد العصمة للإمام مالك، لكنهم يقولون: هذا الخبر باطل سواء أنسب إلى مالك أم نسب إلى غيره، وينبغي أن يُرد الباطل ولا يُقبل.
ــــــــــــــــ
وأما بطلان هذا الخبر فيدل عليه أمور كثيرة، منها:
1 - أن سنده لا يصح، وهذا بيَّنه الشيخ المعلمي، وهذا الوجه يكفي وحده لاطراح الخبر المذكور.
.
2 - أن اللحن الذي تضمنته الحكاية خارج عن المعتاد فإن العامة فضلا عن العلماء يقفون بالسكون، وقد بينه الشيخ المعلمي أيضا.
وأنا لا أتصور أن يقع في هذا اللحن أحد من طلاب العلم في زماننا، فإن مثل هذا لا تكاد تجري به اللسان.
.
3 - أن الأصمعي كان موقرا لأئمة السنة وللإمام مالك خاصة، وقد بينه الشيخ المعلمي، وهذا تحته أمران:
أ - أن من كانت هذه حاله لا يقول للناس: فخفَّ مالك في عيني.
وإن قلنا جدلا: إن مالكا لحن وإنه وخف في عين الأصمعي حقيقة، فلا يُظن بعالم من علماء السنة يعرف قدر أئمة السنة ويجلُّهم أن يقول للناس: فخفَّ مالك في عيني.
ب - أن من كان على هذه الحال من التوقير للعلماء لا يُتصور منه أن يقول لمالك: لو أصلحت من لسانك!
بل أقول: هذا لا يقوله طالب من صغار طلاب العلم في زماننا لندِّه وقرينه فكيف بشيخه، فكيف بمن هو في زمانهم مع ما كانوا عليه من توقير الشيوخ، فكيف بالأصمعي في حلمه وعقله مع جلالة مالك وعظيم قدره.
نعم قد يقول الشيخ لتلميذه شيئا يشبه هذا، كما قال حماد لسيبويه: لحنتَ يا سيبويه.
أما أن يقوله رجل كالأصمعي في عقله لشيخ كمالك في جلالته، فما يكون هذا.
على أن حمادا خطَّأ سيبويه فقط، وأخبره أنه لحن، ولم يقل له: أصلح لسانك! فإن هذا يستحيي الشيخ وإن كان شيخا أن يقوله للطالب.
ثم إن خطأ سيبويه كان في لفظ حديث، فما يسوغ لحماد أن يدع التبيين له، أما أن ينباع الأصمعي لمعارضة مالك وتقريعه لأنه قال: مُطرنا مطرا أي مطرا، على أن هذا ليس بحديث يجب إصلاحه ولا شعر ينبغي جبره ولا مثَل يُحرص على لفظه ولا قول لرجل يروى كما هو، فما أبعد ذلك!
ولا يقرِّع الشيخ على مثل هذا إلا رجل مألوق يُذهَب به كل مَذهب، وحاش لله أن يكون الأصمعي كذلك.
.
3 - أن في الخبر قبل ذلك: "فما هبت أحدا هيبتي له"، فالخبر يكذب بعضه بعضا، ولو كنا لا نعرف من حال الأصمعي توقيره لأئمة السنة، فإن هذه الكلمة في الخبر تكذب ما بعدها من قوله لمالك: لو أصلحت من لسانك. فيكف ينتقل من هذه الهيبة الشديدة إلى هذا الازدراء والإزراء؟! هذا مستحيل.
نعم قد جاء عن بعضهم: إني لأرى الرجل يعظم في عيني فإذا لحن سقط من عيني.
لكن هذا المتكلم -وإن سقط اللاحن من عينه- لا يصل به ذلك إلى التوثب عليه وتقريعه، ولو لم يكن شيخه، فكيف إذا كان شيخه؟! وإنما هو شيء يجده في نفسه من نقص مقدار الرجل في عينه.
.
4 - ما ذكره ونقله الأخ محمد المراكشي من علم مالك بالعربية والنحو، وفي كلامه ما يغني عن إعادته.
فمن كان كذلك أيظن به أن يقع في مثل هذا اللحن الفاحش؟!
.
5 - أن الإمام مالكا -رحمه الله- ولد سنة 93 هـ، واختلف في سنة ولادته فقال بعضهم: سنة 90هـ، والأول هو المشهور.
وقد ذكر علماء اللغة والعربية أن زمن الاحتجاج ينتهي في الحواضر سنة 150هـ، وفي البوادي سنة 300 أو بعد ذلك.
فإذا كان مالك ولد سنة 93هـ، فإنه عاش 57 سنة قبل نهاية عصر الاحتجاج، فأكثر عمره كان قبل نهاية عصر الاحتجاج، فما بلغ سنة 150هـ إلا بعد ما صار شيخا كبيرا، وإذا قلنا: ولد سنة 90هـ يكون ذلك 60 سنة، فغير بعيد أن يكون مالك -رحمه الله- ممن يحتج بكلامهم في العربية كما يحتج بكلام العرب الأولين، بغض النظر عن الحاضرة التي كان فيها وهل كان عالما أم لا.
وهذا يتفرع عليه شيئان:
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 1 صفحه : 121