نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 1 صفحه : 1138
فَمِن الأصلِ المستعمَلِ (وِشاحٌ)، فإنَّه أصلٌ لـ (إشاح)، و (مَيِّتٌ)، فإنَّه أصلٌ لـ (مَيْت)، و (تَتَلظَّى)، فإنه أصلٌ لـ (تلظَّى) المرادِ به الحالُ، أو الاستِقبالُ.
ومِن الأصل غيرِ المستعمَلِ (أبو) لـ (أب)، و (اصتبَرَ) لـ (اصطبرَ)، و (قوَلَ) لـ (قالَ)، و (يَوْعِد) لـ (يَعِد)، و (يقِع) لـ (يقَع). وسيأتِي بيانُه.
وقد عَمِي هذا الضربُ على بعضِ المحدَثينَ، فأنكَرُوه، وقالُوا: كيفَ يكونُ أصلاً وهوَ لم يستعمَلْ؟ وعَمِي على آخَرينَ، فظنُّوا أنَّه كانَ مستعمَلاً مُلاوةً من الدَّهْر، ثمَّ أمِيتَ، وأُقِيمَ فرعُه مكانَه.
وكلا الرأيينِ خطأ. بلِ المرادُ بكونِه أصلاً أنَّه هو حاقُّ القِياسِ الذي كانَ ينبغِي ركوبُه لولا عُروضُ عِلَّةٍ أخرَى أخرجَتْه عنه، فلمَّا رأَوا هذه العِلَّة العارِضةَ، وعلِموا أنَّهم لو استعمَلوا الأصلَ، لكانَ صيرورةُ أمرِهم إلَى مفارقتِه، نكَلوا عنه، وفارَقُوه بادئَ بدِيءٍ، ولم يستعمِلوه، كما قالَ الشاعرُ:
رأَى الأمرَ يفضِي إلى آخِرٍ ... فصيَّرَ آخِرَه أوَّلا
فقولُهم: إن أصلَ (قالَ) (قَوَلَ) لا يريدونَ به أنَّه كانَ مستعمَلاً قبلَه، وإنَّما يريدونَ ما ذكرتُ لك من أنَّ القِياسَ أن يكونَ كذلكَ لولا رِعايتُهم تحرُّك الواو، وانفتاح ما قبلَها. ألا ترَى أنَّك لو لم تجعلْه أصلاً لأدَّاك ذلك إلى أن تجعلَ الألفَ أصلاً. والألفُ لا تكونُ إلا مبدَلةً عن أصلٍ، أو زائدةً.
ونأتِي إلى النظَر في (يقع)، فنقول:
الماضِي من (يقَع) هو (وقَعَ) على بِناءِ (فعَلَ). فلمَّا أردنا أن نبنيَ المضارعَ منه، تجاذبَه قياسَانِ متدافِعانِ، أحدُهما اعتلالُ الفاء بالواو. وهذا قِياسٌ يوجِبُ أن يكونَ المضارعُ منه على (يفعِل). والثانِي أنَّ لامَ الكلمةِ عينٌ، والعينُ من حروف الحلْقِ. وذلكَ يقتضِي أن يكونَ المضارعُ على (يفعَل)، ولكنَّه اقتضاءٌ غيرُ واجِبٍ، لأنَّهم ربَّما جعلُوا المضارعَ الحلقيَّ العينِ، أو اللامِ على (يفعِل) كما قالُوا: (يرجِع)، وربَّما جعلُوه على (يفعُل) كما قالُوا: (يفرُغ)، فأجرَوا فيه القياسَ الأوَّلَ إذْ كانَ واجِبًا، وأعطَوه أحكامَه، فحذفُوا الواوَ من مضارعِه، وكرِهُوا أن يُغفِلوا القِياسَ الثانِي، وإنْ لم يكن واجِبًا، ففتحُوا القافَ منه. وهذا من مَّا يدُلُّك على براعةِ صنعتِهم، وصِحَّة أقيستِهم، كيفَ آثَروا أن يُجرُوا القياسينِ معًا، وكيفَ تهيَّأ لهم أن يجمعُوا بينَهما، ثمَّ أبَوا إلا أن يُنزِلوا كلَّ قياسٍ منهما منزلتَه، فجعلُوا القياسَ الأوَّلَ هو الأصلَ لاطِّرادِه، ونبَّهُوا على ذلك بحذف الواوِ من مضارعِه، لأنَّ الواو لا تُحذَف إلا من مَّا كانَ على (يَفعِل)، وجعلُوا القياسَ الثانِي هو الفرعَ لتخلُّفِه عن حدِّ الاطِّرادِ. ولم يبالُوا أن يخرجُوا عن الأصلِ بعدَ أن اطمأنُّوا إلَى فَهْم المخاطَب، وأمِنُوا مِن غائلةِ اللَّبْس.
فإن قلت:
فما بالُهم لما فعلُوا ذلكَ، فقالُوا: (يقَع)، لم يَردُّوا الواوَ المحذوفةَ، فيقولوا: (يوقَع). وذلكَ لزَوالِ عِلَّة الحذف. ألا ترَى أنَّهم إنَّما حذفُوا الواوَ لوقوعِها بينَ ياءٍ، وكسرةٍ، وهي هنا واقِعةٌ بينَ ياءٍ، وفتحةٍ؟
قلتُ:
قد علِمت أن (يقَع) فرعٌ عن (يقِع). وإذا خرجَ الشيءُ عن أصلِه، وكانَ لأصلِه حُكْمٌ، فزَالَت عِلَّتُه بعدَ خروجِه عن هذا الأصلِ، فإنَّ من مذهبِ العربِ أن يبقُوا الحُكْمَ، ولا يغيِّرُوه، وإنْ زالتْ عِلَّتُه. وذلك لكي يحافِظُوا علَى دليلِ أصلِه، وينبِّهُوا علَى أرومتِه، ومنبِته، ألا ترَى أنَّهم لو قالُوا: (وقَع يَوْقَع)، لم يُعرَف أنَّ أصلَه (وقَع يقِع). وكلَّما كانَ هذا الغرضُ أبْيَن، كانُوا علَى استبقائِه أحْرَصَ. هذا وعلَى أن الأصلَ سابِقٌ، والفَرع لاحِقٌ، والسابِقُ مقدَّمٌ على اللاحقِ. وكما راعَوا الأصلَ في هذه المسألةِ معَ أنَّه غيرُ مستعمَلٍ، فقد راعَوه في مواضعَ أخَرَ، كنحوِ (قُلِ الحقَّ)، إذْ حذفوا الواوَ من (قُلْ) لالتقاءِ الساكنينِ، فلمَّا تحرَّك ثانيهما في الوَصْلِ، وهو اللامُ، لم يَردُّوا المحذوفَ. وذلكَ لطروئِه. وكأنَّ سيبويهِ قد عرَفَ ذلك، وأنِسَ إلِيه حينَ أبَى أن يَرُدَّ التاءَ إلى أصلِها في نحوِ (مُتَّعِد) إذا صُغِّر، مع زَوالِ عِلَّة الإبدَال لأنَّ المصغَّر فَرْعٌ عنِ المُكبَّر، ورأَى أن
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 1 صفحه : 1138