نام کتاب : الوسطية في القرآن الكريم نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 462
فهي - كما ذكرنا- أخلاق ربانية، باعثها الإيمان بالله، وحاديها الرجاء في الآخرة وغرضها رضوان الله ومثوبته، فهو يصدق الحديث، ويؤدي الأمانة، ويفي بالعهد، ويصبر في البأساء والضراء وحين البأس، ويغيث الملهف، ويعين الضعيف، ويرحم الصغير، ويوقر الكبير، ويرعى الفضيلة في سلوكه، كل ذلك ابتغاء وجه ربه، وطلبا لما عنده تعالى، وقد ذكرنا في ذلك آيات القرآن، وإليك ما وصف الله به الأبرار من عباده من البذل والرحمة والإيثار، إذ قال: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) [الإنسان: 8]، ثم يكشف القرآن عن حقيقة بواعثهم، وطوايا نفوسهم، فيقول معبرا عن لسانهم: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا) [الإنسان: 9 - 10].
ثم إن أخلاق المؤمن عبادة من ناحية أخرى، لأن مقياسه في الفضيلة والرذيلة، ومرجعه فيما يأخذ وما يدع هو أمر الله ونهيه فالضمير وحده ليس بمعصوم، وكم من أفراد وجماعات رضيت ضمائرهم بقبائح الأعمال [1].
والعقل وحده ليس بمأمون، لأنه محدود بالبيئة والظروف، ومتأثر بالأهواء والنزاعات، وفي الاختلاف الشاسع للفلاسفة الأخلاقيين في مقياس الحكم الخلقي دليل واضح على ذلك. والعرف لا ثبات له ولا عموم، لأنه يتغير من جيل إلى جيل، وفي الجيل الواحد من بلد إلى بلد، وفي البلد الواحد من إقليم إلى إقليم؛ ولذلك التجأ المؤمن إلى المصدر المعصوم المأمون الذي لا يضل ولا ينسى، ولا يتأثر ولا يجور، وذلك هو حكم الله: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة: 50].
إن الأخلاق في المفهوم القرآني شيء شامل يعم كل تصرفات الإنسان وكل أحاسيسه ومشاعره وتفكيره .. حتى الهاجس الذي يهجس داخل الضمير فهي ليست محدودة بمساحة معينة ولا بعمل معين .. ولا يوجد في الإسلام عمل واحد يمكن أن يخرج عن دائرة الأخلاق، فالصلاة - كما رأينا- لها أخلاق هي الخشوع، والكلام له أخلاق هي الإعراض عن اللغو، والجنس له أخلاق هي الالتزام [1] انظر: الإيمان والحياة، للقرضاوي (256).
نام کتاب : الوسطية في القرآن الكريم نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 462