نام کتاب : الوسطية في القرآن الكريم نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 460
لأولئك المؤمنين، موحيا إيحاء واضحا أن هذه الأخلاقيات من جهة هي ثمرة الإيمان، وأن الإيمان -من جهة أخرى- هو سلوك ملموس يترجم عن العقيدة المكنونة.
إنهم بادئ ذي بدء خاشعون في صلاتهم، فذلك أول مظهر للمؤمن الصادق: أن تكون صلاته -وهي اللحظة التي يقف فيها متعبدا لربه، ذاكرا له في قلبه، متصلا به بروحه -تكون صلاته هذه خاشعة بما ينبئ عن صدق الصلة بالله، التي يرتفع نبضها وحرارتها في أثناء الصلاة ثم تثني الصورة بصفة سلوكية أخرى ذات دلالة، هي أنهم عن اللغو معرضون، فاللغو لا ينبئ عن نفس جادة. والإيمان الصحيح يورث النفس الجد، بما يشعرها من ثقل التكليف وجديته والجد ليس تقطيبا دائما ولا عبوسا، ولكن اللغو من جانب آخر لا يستقيم مع جدية الشعور بعظم الأمانة التي يحملها الإنسان أمام خالقه ثم إن هؤلاء المؤمنين لابد أن تكون في قلوبهم الحساسية لحق الله في أموالهم، وهو الزكاة.
ولابد أن يكونوا ملتزمين بأوامر الله في علاقات الجنس فلا يتعدون حدود الله وملتزمين بأوامره في علاقتهم (الاجتماعية) فيحفظون الأمانة ويرعون العهد. وبهذا يتضح أن الأخلاق ثمرة طبيعية للعقيدة الصحيحة، وكذلك العبادة الحية الخاشعة لله من ثمار العقيدة الصحيحة.
واتضح لنا أيضًا: أن القرآن يرسم لنا صورة تفصيلية للشخصية المؤمنة، فنجد العبادة أول معلم واضح فيها، فانظر كيف جعل الله في أوصاف المؤمنين، وأول وصف لهم الخشوع في الصلاة وآخر أوصافهم المحافظة عليها، ووصفهم بفعل الزكاة وهي عبادة، مع الفضائل الخلقية الأخرى.
ومن وسطية القرآن الكريم إبراز جانب العبادة أحيانا، وجانب الأخلاق أحيانا أخرى لمناسبات واعتبارات توجب هذا الإبراز ففي سورة الذاريات نجد العناية بالعبادة في وصف المتقين: (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِّن اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [الذاريات: 16 - 19].
نام کتاب : الوسطية في القرآن الكريم نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 460