خديجة، فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق، وهو في غار حراء.
فجاءه الملك، فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني [1] حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني، فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} [2] فرجع بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد فقال: زملوني [3]، زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع [4]، فقال لخديجة، وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي.
فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلَّ [5]، وتكسب المعدوم [6]، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق [7]، فانطلقت به خديجة، حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة، وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، فيكتب الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم اسمع من ابن أخيك.
فقال له ورقة: يا ابن أخي ما ترى؟ فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر ما رأى: فقال له ورقة: هذا الناموس [8] الذي نزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعًا [9]، ليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أو مخرجيَّ هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا [10]، ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي". [1] غطني: عصرني وضمني، الجهد: المشقة. [2] (العلق: 1 - 3). [3] زملوني: غطوني بالثياب ولفوني بها. [4] الفزع: الخوف. [5] تحمل الكل: تنفق على الضعيف واليتيم والعيال، والكل: أصله الثقل والإعياء. [6] تكسب المعدوم: تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك من نفائس الفوائد ومكارم الأخلاق. [7] تعين على نوائب الحق: أنك لا يصيبك مكروه لما جعل الله فيك من مكارم الأخلاق وكرم الشمائل. [8] الناموس: هو جبريل - عليه السلام -، ومعنى الناموس: صاحب سر الخير. [9] الجذع: الشاب القوي. [10] نصرًا مؤزرًا: قويًّا بالغًا.