الكوفة الكبير، فقد قال: "أتيت الكوفة لأكتب عنهم الشعر، فبخلوا عليَّ به، فكنت أعطيهم المنحول، وآخذ الصحيح، ثم مرضت فقلت لهم: ويلكم أنا تائب إلى الله تعالى، هذا الشعر لي، فلم يقبلوا مني، وبقي منسوبًا إلى العرب لهذا السبب".
ويتابع الأفغاني حديثه فيقول: "أما راويتهم الأكبر حماد فهو الشمس شهرة في كذبه، ووضعه"، وينقل كلمة للمفضل الضبي عنه وهي: "قد سُلط على الشعر من حماد الراوية ما أفسده فلا يصلح أبدًا، فلا يزال يقول الشعر يُشبه به مذهب رجل من الأقدمين، ويدخله في شعره، ويحمل عنه ذلك في الآثار، فتختلط أشعار القدماء، ولا يتميز الصحيح منها إلا عند عالم ناقد وأين ذلك؟ ".
احتكاك المدرستين عن طريق المناظرات النحوية
إن الاختلاف في الآراء ووجهات النظر أمر من لوازم الطبيعة الإنسانية جعله الله بين بني البشر، فالقدرة على التفكير، وكيفية معالجة الأمور، ودرجة استيعاب العقول، والفطنة في استنباط الأدلة، كل هذه الأمور متفاوتة عند بني الإنسان. لذلك كان لا بد من الخلاف والاختلاف، وتلك فطرة الله التي فطر الناس عليها. ومن هنا كان من الأمور الطبيعية أن يحدث الخلاف والاحتكاك بين علماء البصرة وعلماء الكوفة، بل كان يحدث أحيانا بين علماء المدرسة الواحدة، والذي يعنينا هنا أن نلقي الضوء على مسألة خلافية مشهورة في تاريخ النحو العربي، وهي التي تُسمى المسألة الزنبورية، وهي توضح لنا صورة من صور التنافس بين المدرستين الكبريين، وهما مدرسة البصرة ومدرسة الكوفة، ويمثل كل مدرسة