وأما من حيث العلم فهو علم بأصول يُعرف بها أحوال أبنية الكلمة التي ليست بإعراب ولا بناء. علم يعني: إدراك. علم المراد به إدراك، ويمكن أن يكون مراد به المسائل نفسها، ويمكن أن يكون المراد به الْمَلَكَة، ولكن نقول: الأصل حمله على الإدراك وهو وصول النفس إلى المعنى بتمامه. ودائمًا الأولى أن يفسر العلم في حدود العلوم أن يكون المراد به الإدراك. والإدراك المراد به وصول النفس إلى المعنى بتمامه، يعني: يقع في النفس إدراك ووصول للمعاني المرادة بمتعلق العلم، وهنا علق العلم بأصول باء حرف جر وأصول مجرور والجار مجرور متعلق بقوله: علم. ولذلك عُدِّيَ هنا علم بأصول وإن كان الأصل أن مادة العلم تتعدى بنفسها وقد تتعدى بحرف الجر، تتعدى بنفسها مثل ماذا؟ {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ}، {يَعْلَمُ مَا} ما اسم موصول بمعنى الذي في محل نصب مفعول به {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} [البقرة: 255]، {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ} [العلق: 14] تَعَدَّى بماذا؟ بالباء إذًا قد يتعدى بنفسه فينصب مباشرة وقد يتعدى بالباء، إذا عُدِّيَ بالباء يحتمل وجه آخر وهو أنه ضُمن العلم معنى الإحاطة لأن الإحاطة تتعدى بالباء.
إذًا علم بأصول علم الإدراك مع الإحاطة، وهذا لا بأس به. وهنا التضمين هو أن يُشرب اللفظ معنى لفظ الآخر فيُعَدَّى بما يُعَدَّى به ذلك اللفظ، وهنا الإحاطة تتعدى بالباء، فحينئذٍ عُدِّيَ العلم بالباء لأن الأصل وهو الإحاطة يَتَعَدَّى بالباء {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ} [البقرة: 255] لا يحيطون بشيء تعدى بالباء حينئذٍ ما ضمن معنى الإحاطة يتعدى بالباء، مثل الشرب شربت كذا يتعدى بنفسه {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا} لِمَ قال: {يَشْرَبُ بِهَا}. لأنه ضمن معنى الارتواء، ارتوى بها فحينئذٍ عُدِّيَ بما يُعَدَّى به الأول، علم بأصول أصول جمع أصل والأصل في اللغة ما يُبنى عليه غيره.
فَالأََصْلُ مَا عَلَيْهِ غَيْرُهُ بُنِي ... وَالْفَرْعُ مَا عَلَى سِوَاهُ يَنْبَنِي (1)
وفيه الاصطلاح يُطلق ويراد به أربعة معاني، والمراد به هنا عندنا القاعدة المستمرة ويطلق الأصل مرادًا به القاعدة وهو المراد هنا، علم بأصول أي: بقواعد. جمع قاعدة أو بضوابط أو بأسس والأساس، والقاعدة، والضابط، والقانون كلها ألفاظ مترادفة اصطلاحًا ويجمعها قضية كلية يتعرف بها أحكام الجزئيات في موضوعها.
(1) نظم الورقات للعمريطي البيت 11.