وارتفاع الأصوات بالدعوات والاستغاثات، وفي الطائف قبر ابن عباس -رضي الله عنهما- يقف عنده كل مكروب وخائف متضرعا مستغيثا، وينادي أكثر الباعة في الأسواق: اليوم على الله وعليك ابن عباس. ويسألونه الحاجات ويسترزقونه.
قلت: وقد ذكر حسين بن مهدي النعمي أنه سمع بعض الأفاضل يحدث أن رجلين قصدا الطائف من مكة المشرفة، وأحدهما يزعم أنه من أهل العلم، فقال له رفيقه ببديهة الفطرة: أهل الطائف لا يعرفون الله، إنما يعرفون ابن عباس! فأجابه بأن معرفتهم لابن عباس كافية؛ لأنه يعرف الله. انتهى.
قلت: وهذا مصداق ما جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى» الحديث.
وقبر ابن عباس -رضي الله عنهما- وإن لم يكن في موضع اللات بنفسه فإنه قريب منه في الموضع، وشبيه به في المعنى؛ إذ كل منهما في ناحية من نواحي المسجد المسمى بمسجد ابن عباس في الطائف، وقد قيل: إن موضع اللات في موضع المنارة من ذلك المسجد، وأما قبر ابن عباس -رضي الله عنهما- فمعروف مشهور، وقد اتخذه الضلال من آخر هذه الأمة وثنا يعظمونه كما تعظم اللات من قبل، ويدعونه ويلجئون إليه في قضاء الحاجات وتفريج الكربات كما كانت ثقيف ومن حولها من أحياء العرب يدعون اللات ويلجئون إليها، فغلو ضلال هذه الأمة في ابن عباس شبيه بغلو المشركين الأولين في اللات، قال الله تعالى: {كَذَلِكَ قَالَ