نام کتاب : الإفصاح عن معاني الصحاح نویسنده : ابن هُبَيْرَة جلد : 3 صفحه : 171
جلد لكان يقوم عنا فيه، ولكنه شيخ كبير، فأشارتا إليه بهذا النطق أنهما من أهل دين فيه ستر العورة ومجانبة المرأة الرجال، ومن أهل مروءة لو كان لنا رجل فكفينا الرعاية لما نريد لما برزنا لذلك، فحينئذ رأى موسى - صلى الله عليه وسلم - أنه قد يغتن عليه إردافهما بأن تصدق عليهما بفضل قوته: {فسقى لهما} ثم انصرف عنهما إلى الظل- كما قال الله عز وجل.
ففي ذلك ما يدل على أنه سقى لهما بغير أجر ولا شرط، وأنه بقدر ما كفا فيما كانتا محتاجتين إليه من سقي الغنم تولى عنهما ولم يمكث ولا أدنى مكث فيتعرض بوقوفه إلى طلب ثواب لذلك السقي، ولو بأن يسقياه شيئًا من لبن شياهمها، ثم أخبر عز وجل أن فعل ذلك على شدة جوع منه وفقر إلى ما ينزل الله إليه من خير، فلم يستفزه جوعه ولا خدشت ضرورته وجه مروءته، بل تولى إلى (42/أ) الظل، وهنا يدل على أن الظل أفضل من الكون في الشمس ولاسيما لمثل موسى وقد أجهده ما عاناه من السقي؛ ليكون حسن الرعاية لبدنه أيضًا بتوديعه إياه إذ الكون في ظل يستدعي النوم فيرد عليه من قواه ما يستعين به على طاعة ربه.
* ثم قال حين انفصل عن المرأتين، واستقر في الظل: {رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير}، فهذا دعاء إلى الله عز وجل ينطق الماضي ويراد به المستقبل، إلا أن في ذلك فائدة، وهي أنه لشدة إيمانه أن الله تعالى لا يغفله وأن رزقه سيأتيه صار المستقبل عنده في حكم الماضى، فقال: {إني لما أنزلت إلى من خير فقير}، و {خير} هاهنا نكرة من أي خير كان، فإن حاجتي بلغت إلى أن لا أتشوف ولا أريد الخير المعهود بالألف واللام، ثم
نام کتاب : الإفصاح عن معاني الصحاح نویسنده : ابن هُبَيْرَة جلد : 3 صفحه : 171