لو كان تشريعاً ما رجع الرسول صلى الله عليه وسلم عن رأيه، وأخذ برأي الحباب بن المنذر ونفذ الرسول صلى الله عليه وسلم رغبة الحباب رضي الله عنه.
ثالثاً: اجتهاده صلى الله عليه وسلم في الأقضية:
والرسول صلى الله عليه وسلم يجتهد في الأقضية بالإجماع [1] . وقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إنما أنا بشر مثلكم وإنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئاً، فإنما أقطع له قطعة من النار" [2] .
وفي الحديث دلالة على الحالة البشرية، وأن البشر لا يعلمون من الغيب وبواطن الأمور شيئاً، إلا أن يطلعهم الله تعالى على شيء من ذلك، وأنه يجوز عليه في أمور الأحكام ما يجوز على الناس وأنه إنما يحكم بين الناس بالظاهر والله يتولى السرائر، فيحكم صلى الله عليه وسلم بالبينة واليمين، ونحو ذلك من أحكام الظاهر مع إمكان كونه في الباطن على خلاف ذلك، ولكنه إنما كُلف بحكم الظاهر [3] .
وقضاء الرسول صلى الله عليه وسلم يكون في القضية قبل نزول الوحي، فإن نزل القرآن بعد ذلك بغير ما كان قضى به، فيترك ما قضي به على حاله، ويستقبل ما نزل به القرآنُ الكريم، ولذلك فقضاؤه بغير الوحي إنما هو عن اجتهاد منه. [1] شرح الأسنوي على المنهاج لجمال الدين عبد الرحيم (جـ 2/ 172) ط. صبيح. [2] رواه من حديث أم سلمة: الإمام البخاري (2458) في كتاب المظالم، باب (إثم من خاصم في باطل وهو يعلمه، والإمام مسلم (1713) في كتاب الأقضية، باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة. [3] اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم د. نادية العمري / 98. مؤسسة الرسالة.