اليقين، وأن الدين الذى يعبده كل فريق ليس دينا حقيقيا يتعبد به، ويشترك فى هذا أهل الملل الأخرى، حتى مشركو قريش الذين وصفتهم الآية بأنهم لا يعلمون، فنفت عنهم العلم؛ لأن الأمية قد تفشت فيهم، وانتشرت الجهالة وسيطرت على أنفسهم وعقولهم، فلا يعلمون من حقائق الأمور شيئا، حتى عن الكتب السابقة والشرائع التى أنزلت.
لذلك فهو يشتركون فى هذا المعمعة، ويدفع الجميع تعصب لما يعتقد، وخرافات تتحكم فيهم، واعتقادات باطلة، وأنهم وحدهم الناجون من النار، ومن عذاب الله يوم القيامة.
يسجل الله سبحانه وتعالى على الجميع ما يقوله، ويحكم بينهم يوم القيامة، ويبطل ما لهم من دعاوى باطلة، فالدين واضح، والحق سبيله معلوم، لا يتعبد بأسماء ولا بألقاب، وإنما هو إيمان خالص، وعمل صالح، لا يدعو إلى تفرق فى دين، أو اختلاف فى أصول.
وإذا كانت الأهواء والنزعات قد طغت على أهل الكتاب فى تفكيرهم، فأعرضوا عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، وطعنوا فى هذا الدين الذى أتى به، وإذا كان هذا الطعن لا ينهض حجة على بطلان الدين الذى جاء به، فإن الآية تصورهم بأنهم لا يرضون إلا بمن يتبع دينهم، وكل فريق يخالف فهو فى النار وعلى ضلال.
هذا تفكير طبعوا عليه من قديم، حتى فى أيام أنبيائهم، ورسلهم، وجدالهم معهم، ويبدو هذا واضحا فى قصة بنى إسرائيل مع موسى، عليه السلام، حينما قتل واحد منهم، وأرادوا معرفة قاتله، فذهبوا إلى موسى، وطلبوا منه أن يدلهم على القاتل، فأمرهم بذبح بقرة، وأن يأخذوا جلدها، ويضربوا به القتيل، فيحييه الله تعالى، ويدلهم على قاتله، أمور واضحة لا تحتاج إلى لجاجة ومراجعة، ولكنهم أخذوا يسألون: ما لونها؟ ما عمرها؟ ما صفاتها؟ أسئلة، ولجاجة، والتواء فى التفكير لا تدل إلا على سوء طوية، وخداع.
وهو لون من الفكر المارق، كما يسميه الأستاذ أحمد بهجت، تحت عنوان: الفكر البقرى، نسبة إلى قصة البقرة، فكر ضال أخذ عليهم حياتهم، وسيطر على نفوسهم؛ كراهة الاهتداء، وعدوانا على الحق وأهله، ومن سماته الفجاجة، والالتواء الذى لا يعرف طريق الحق، وينحرف عن الجادة.