نعم يصرون على موقف، وهم يعلمون أنهم جاهلون بنتائجه، ويصرون على الاتباع ولو كان يؤدى إلى الهلاك، وبخاصة وقد حرم أولئك المتبعون من السابقين من نعمة العقل والاهتداء، وإلا لكانوا فى موقف آخر من الإيمان، ومحو عار الجاهلية الذى لصق بهم، واستدعى إرسال الرسل إليهم، ودليل ذلك إصرارهم على معاداة النبى ومحاربته، والوقوف ضد دعوة الإسلام، حتى بهذا التدنى فى المرتبة التى تصمهم بوصمة الحيوانية التى سلبت العقل والهداية، وهذا ما عرضه المثل بعد ذلك: يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً [البقرة: 171].
جو واحد، تشابهت فيه الأشخاص والدواب، وسلكت كلها فى مسلك واحد، لا تفكير، ولا اهتداء، وإنما اتباع مضلل، وطريق إلى الهاوية، نرى ذلك كله فيما يعرضه المثل من صورة أولئك المقلدين لغيرهم فى خطواتهم الضالة، والذين ألغوا عقولهم وتفكيرهم التى خلقها الله للاهتداء بها، فهم يرون الحق ويعرضون عنه، ويصرفون أنفسهم عن دلالته وآياته، ويتبعون خطوات الشيطان، ويقولون على الله بغير علم، ولا دليل ولا برهان، وهم على فساد من الأمر.
صورهم الله فى هذا المثل بتلك البهيمة السارحة التى لا تفقه ما يقال لها إذا صاح فيها راعيها، بل هم أضل منها، فهى ترى وتسمع وتصيح، ولكنهم: صم، بكم، عمى، مع وجود هذه الحواس، ولكنهم معطلون لها، ولا تؤدى وظيفتها التى خلقها الله من أجلها، صم لا يسمعون الحق سماع تدبر وفهم، بكم لا ينطقون به عن اعتقاد وعلم، ولا يعقلون مبدأ ما هم فيه، ولا غايته كما يطلب من الإنسان، وإنما ينقادون لغيرهم كما هو سائر الحيوان. وهؤلاء الكفار هم المشركون الذين تكرر منهم القول: بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا [البقرة: 170].
صورة تحذر من اتباع الشيطان، وتعطيل الفكر عن المعرفة والهداية، وتلقى أمر الله والشريعة من غير الجهة التى يتلقى منها أمر العقيدة والشريعة.
7 - قال الله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الجمعة: 5]. جاء هذا المثل بعد آيات أربع افتتحت بها سورة الجمعة، وتناولت هذه الآيات: