الصالحة التى تدعوهم إلى الإيمان بالله الواحد القهار، وتدعوهم إلى تطهير أنفسهم من قبائح الحياة والرذائل المتفشية فيهم، فأصابهم الله جزاء أعمالهم وظلمهم لأنفسهم بتلك العقوبات التى تنوعت بإرسال الحاصب من السماء، والرجفة التى تهلك، والخسف، والإغراق.
ألوان من العذاب تتناسب مع كفرهم بالله، وظلمهم لأنفسهم، واعتمادهم على أفكار ضالة، وإيمانهم بعبادات باطلة، فكان الاستحقاق من جنس العمل، ولا يظلم ربك أحدا، وكأن هذا إشارة إلى عقوبات مماثلة تلحق بمن يتشابه مع السابقين فى مواقفهم، ولن يكون المصير مختلفا، فالنتائج واحدة ما دامت الأعمال واحدة، وقد قال الله فى هذه الآيات: فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت: 40].
فى ضوء هذا التمهيد، جاء المثل ليبين حقيقة أولئك القوم الكافرين الذين أرسل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما وصلوا إليه من فهم سقيم، فالمشرك الذى يعبد الأصنام ويعتقد فى نفعها وضررها، وألغى بذلك تفكيره بالقياس إلى المؤمن الذى يعبد الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذى بيده النفع والضرر، والإحياء والإماتة، يشبهان فى حاليهما بحال تلك العنكبوت التى لجأت إلى نسجها الضعيف الواهى تلتمس فيه نجاة، وتتخذ منه حماية لها ولحياتها، وهو لا يدفع عنها شيئا من حر أو برد، بالقياس إلى من بنى بيتا حصينا اعتمد فى إقامته على كل ما يثبت دعائمه.
وهكذا تتضح الصورة، ففرق بين بيت وبيت، وفرق بين عبادة وعبادة، عبادة قائمة على شىء واه ضعيف، وعبادة قائمة على أساس سليم من الاعتقاد، والفكر، والاقتناع، ولذلك جاء التأكيد بقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [العنكبوت: 42].
فالإنسان الذى له مسكة من عقل، جدير به أن يستند إلى حقيقة ودعامة ثابتة تقيه شر تقلبات الحياة، وما تأتى به من أرزاء، تلك الدعامة التى تعلى من شأن الإنسان وترفع من مكانته، فلا يذل لمخلوق، ولا يحرم نفسه من مكانة أعزه الله بها، وهى خلافة الله فى الأرض، يعمرها بالفكر والعقل، والإرادة، والحرية، والتحكم فى شهوات النفس وغرائزها.