كافرون كالمشركين سواء بسواء، ما داموا لم يؤمنوا بالقرآن وشريعته، بل كفرهم يزيد قبحا على كفر بقية الكافرين، ولذلك يقول الخطيب الشربينى عند تفسير قوله تعالى:
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ [آل عمران:
98] ما نصه: وتخصيص أهل الكتاب بالخطاب دليل على أن كفرهم أقبح، وأنهم وإن زعموا أنهم مؤمنون بالتوراة والإنجيل، فهم كافرون بهما.
أما عن الآية والاستشهاد بها، فبعد أن أبطلنا قوله: إن أهل الكتاب كالمسلمين بما تقدم إيضاحه، فقد أصبحت الآية لا تتصل بدعواه إطلاقا، وأما عن معناها وتفسيرها فهو هذا، ونسوق الآية بكمالها، قال تعالى: لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ ... [آل عمران: 113] الآيات.
جاء قبل هذه الآية قوله تعالى: وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ [آل عمران: 110]، يعنى لو آمن أهل الكتاب بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لكان الإيمان خيرا لهم مما هم عليه؛ لأنهم إنما آثروا دينهم على دين الإسلام حبا للرئاسة واستتباع العوام، مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ كعبد الله بن سلام وأصحابه، وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ، أى المتمردون فى الكفر.
وقيل خيرا لهم من الكفر الذى هم عليه، فالخيرية إنما هى باعتبار زعمهم، وفى ضرب من التهكم بهم ولم يتعرض لما يؤمنون به إشعارا بشهرته، ثم قال هنا: لَيْسُوا سَواءً [آل عمران: 113]، الواو فى قوله: لَيْسُوا تعود على أهل الكتاب، وهى اسم ليس، وسواء خبرها، فالوقف عليه تام. والمعنى أنهم ينقسمون إلى مؤمن وكافر؛ لقوله تعالى: مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ [آل عمران: 110]، فانتفى استواؤهم، وقد سيقت هذه الجملة تمهيدا وتوطئة لتعداد محاسن مؤمنى أهل الكتاب.
وقوله تعالى: مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ [آل عمران: 113] استئناف مبين لكيفية عدم تساويهم، ومزيل لما فيه من الإبهام ووضع أهل الكتاب موضع الضمير العائد إليهم لتحقيق ما به الاشتراك بين الفريقين وللإيذان بأن تلك الأمة ممن أوتى نصيبا وافرا من الكتاب لا من أراذلهم.
وقوله: قائِمَةٌ معناه المستقيمة العادلة، من أقمت العود فقام، بمعنى استقام، وهذه الأمة، كعبد الله بن سلام وأصحابه من اليهود الذين أسلموا، وكالنجاشى