بأقصى وأشد أنواع العقوبات، وهم بهذا يتساوون مع المشركين الماديين فى أن الله تعالى طالبهم بالإيمان بالقرآن، كذلك قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا [النساء: 47].
وقال جل ذكره فى سورة التغابن بعد أن حكى عن المشركين أنهم ينكرون البعث:
فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا [التغابن: 8]، يعنى فالمليّون والماديون متساوون فى التكليف من الله تعالى بالإيمان بالقرآن، ولذلك أمر الله تعالى نبيه، عليه السلام، أن يوبخ الفريقين على ترك الإيمان به، فقال تعالى: وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ [آل عمران: 20].
وقد جعل الله تعالى أهل الكتاب فى عداد من لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، قال تعالى: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ [التوبة: 29].
قال سيدى عبد الرحمن الثعالبى الجزائرى فى تفسيره عند هذه الآية ما نصه: ونفى سبحانه عن أهل الكتاب الإيمان بالله واليوم الآخر، حيث تركوا شرع الإسلام، وأيضا فكانت اعتقاداتهم غير مستقيمة؛ لأنهم تشعبوا وقالوا: عزير ابن الله، والله ثالث ثلاثة، وغير ذلك، ولهم أيضا فى البعث آراء فاسدة، كشراء منازل الجنة من الرهبان، إلى
غير ذلك من الهذيان، وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ [التوبة: 29]، أى لا يطيعون ولا يمتثلون، ومنه قول عائشة، رضى الله عنها: «وما عقلت أبوى إلا وهما يدينان الدين»، والدين هنا الشريعة.
فصار المعنى: ولا يطيعون ولا يمتثلون شريعة الحق، وشريعة الحق هى ما جاء به النبى صلى الله عليه وسلم؛ لأنها نسخت جميع الأديان وجميع الشرائع السابقة، بدليل قوله تعالى بعد ذلك فى هذه السورة أيضا: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة: 33].
فتبين بهذا أن أهل الكتاب ليسوا كالمسلمين سواء بسواء كما ادعى الكاتب، وإنما هم