ثم علّمنا القرآنُ فروعَ هذا الأصل:
(1) فمنها أن المؤمن لا بد أن يتوكل على الله، كما قال تعالى:
{زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [1].
(2) ومنها أن الإيمان لكونه جزماً واعتقاداً لا بد أن يسوق إلى العمل، كما قال تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [2].
(11) تنازع
قد تبدّل معناه [3]. وفي الصحيح التنازع هو التداول والجذب عموماً. ويستعمل للكأس والحديث. في القرآن: [1] سورة الأنفال، الآية: 2، وأول الآية {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}. [2] سورة البقرة، الآية: 3. وانظر تفسير سورة العصر للمؤلف: 10. [3] يعني أن معنى الخلاف والتخاصم غلب على معنى التداول والتجاذب. فزعم أبو حيان (البحر 254:6) أن "التنازع يقتضي الاختلاف". ثم دخلت الكلمة في الفارسية والأردية، بعدما تجردت عن أصلها، فصارت محصورة في معنى الخلاف والخصام. فأخطأ بعض المفسرين والمترجمين لمعاني القرآن الكريم، وجعلوا التنازع بمعنى التخاصم في الموضع الذي هو فيه بمعنى التداول لا غير.
ومن أسلوب القرآن الكريم أن التنازع إذا أريد به الجذب والتداول، تعدّى إلى مفعوله بنفسه، وكان مذكوراً، كما في الآيات التي استشهد بها المؤلف. أما إذا كان بمعنى الخصام والاختلاف فيتعدى إليه بحرف الجرّ (في) كما في قوله تعالى [آل عمران: 152]: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} وقوله تعالى [النساء: 59]: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} وقوله تعالى [الأنفال: 43]: {وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ} وقوله تعالى [الحج: 67]: {فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ} أو يحذف المفعول به، كما في قوله تعالى [الأنفال: 46]: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا}.