السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى، كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى، مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى [1].
فقد تحولت الآيات هنا عن القصة وسردها إلى التذكير بعظمة الله ومظاهر ألوهيته ودلائل وجوده؛ حتى إن ضمير الخطاب فيها تحول عن خطاب موسى لفرعون إلى خطاب الله للناس كلهم كما تجد في سرد الآيات.
وفي سورة الكهف، تتابع الآيات عرض قصة أصحاب الكهف، وفي أثناء ذلك تلتفت عن القصة لتخاطب الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين ببعض الأوامر والعظات:
يقول الله تعالى: سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ، وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ، قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ، فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً، وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ، وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً [2].
فأنت ترى كيف هيّأت الآيات أثناء عرض القصة مناسبة لتوجيه هذه العظات إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليسمعها المسلمون فيتعظوا ويتمسكوا بها، ثم ما هو إلا أن يعود السياق إلى تتميم القصة بعد ذلك.
المظهر الرابع: العرض التصويري، فأسلوب القرآن عند ذكر قصة من القصص، لا يخبرك عنها إخبارا ولكنه يمرّ بشريط حيّ لها على مخيلتك وإحساسك، وقد تحدّثنا عن التصوير في القرآن وعرضنا أمثلة له، فإذا كان ذلك جليّا في عامة بحوث القرآن، فإنه ليزداد جلاء وقوة عند عرض قصة أو مشهد من خبر. ولا نطيل في إيضاح هذا الأمر بعد الذي ذكرناه في الفصل السابق، ولكن ما عليك إذا أردت أن تقف على التصوير القرآني في القصة إلا [1] طه: 49 - 54. [2] الكهف: 22 و 23 و 24.